أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - أن تكون مثقفًا يعني أن تشجّع غيرك وتدعمه














المزيد.....

أن تكون مثقفًا يعني أن تشجّع غيرك وتدعمه


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 06:18
المحور: قضايا ثقافية
    


منذ متى أصبحنا نظنّ أن الثقافة مقامٌ يُعتلى، لا جسرٌ يُمدّ؟
ومنذ متى غفلنا عن أن جوهر الثقافة لا يُختصر بما قرأناه من كتبٍ أو ما حصدناه من شهادات، بل يتجلى في كيفيّة تعاملنا مع من هم حولنا؟ أن تكون مثقّفًا لا يعني أن تقتنص منبرًا وتلوّح بكلماتٍ كأنّك الإله الذي ينطق بالحقّ، بل أن تكون المثقف الحقّ يعني، ببساطة وإنسانية عميقة، أن تشجّع غيرك، أن تدفعه للنهوض، أن تحتفي بنجاحه حتى وإن سبقك إليه، وأن تفرح له كأنّه أنت.
الثقافة ليست رتبة اجتماعية ولا تعويذة سحرية تحفظنا من الجهل، بل هي روحٌ منفتحة قادرة على الإصغاء، والتعلّم، والمشاركة. فالمثقف الحقّ لا يرى في غيره تهديدًا بل فرصة، لا يرى في نجاح الآخرين تهديدًا لكبريائه بل تكملة لرحلة المعرفة والوجود. المثقف لا يتربّع على العرش، بل ينزل إلى الساحة، ويحرّض على الأسئلة، ويقدّم المفاتيح للآخرين، لا ليُغلقوا بها أبوابهم، بل ليفتحوا بها آفاقهم.
لقد أرهقنا هذا المثقف المدّعي، الذي لا يجيد إلا التبخيس، ولا يعرف من الكتابة إلا كيف يجعل الآخرين يشعرون بالنقص، ومن النقد إلا التجريح. أرهقنا من يحتكر النور، ويخاف أن ينير شمعةً في درب أحدهم، وكأنّ الضوء ينقص حين يُقسم. بينما الحقيقة البسيطة أن الشمس تشرق على الجميع، والثقافة حين تتوزّع، تزدهر، وتغدو أكثر بهاءً.
أذكر جيدًا حين كنت فتاة صغيرة أكتب في دفاتري السرية، كيف غيّر حياتي مثقفٌ حقيقي، لم يسخر من خواطري المراهقة، بل قال لي: “اكتبي، وإن لم تُعجب كتاباتك أحدًا اليوم، فإنك في يومٍ ما ستقرئينها أنتِ وتبتسمين، فاستمري.” ومن يومها لم أتوقف عن الكتابة. هذا هو الفارق: كلمة تشجيع واحدة قد تبني قامة أدبية، ونظرة تحقير واحدة قد تهدم روحًا يانعة.
أن تكون مثقفًا يعني أن تصير مرآةً يرى الناس أنفسهم فيها لا ليكتشفوا قبحهم، بل ليبصروا جمالهم الكامن. أن تكون مثقفًا يعني أن تصير بوصلةً لا سوطًا، أن تشير إلى الطريق، لا أن تصيح بالضالين كأنك المخلّص. فهل يعقل أن نقرأ نيتشه وننهر الآخر لأنه لم يفهمه؟ وهل يصحّ أن نستشهد بغرامشي لنقصي العامل البسيط؟ هل نكتب عن سيمون دي بوفوار ثم نمنع أختنا من الكلام؟
دعونا نعترف: الثقافة التي لا تُثمر تضامنًا، التي لا تولّد حسًّا بالمشترَك، والتي لا تبني جسورًا، هي ثقافة مزيّفة. هي “مظهر” ثقافي لا “جوهر” ثقافي. فكم من مثقّف صامت منح بصمته لموهبة جديدة؟ وكم من قارئ بسيطٍ كان أكثر عمقًا من منظّرٍ يتكلّم عن الطبقات والهيمنة ويفرّق بين الناس على أساس معرفيّ!
لقد آن الأوان لأن نعيد تعريف المثقف لا كمن “يعرف أكثر” بل كمن “يعطي أكثر”. كمن يمدّ يده لا ليصفع، بل ليساعد. كمن يفرح بتفوّق تلميذه، لا من يخشى أن يخطف الأضواء منه. المثقف الحقيقيّ لا يقف خلف المنصّة، بل يقف خلف المبتدئ، يدفعه للأمام، يسانده في صراعه مع الشكّ، مع الخوف، مع رهبة الورقة البيضاء.
ولعلّ من واجبنا نحن، المثقّفين المشتبكين مع الواقع، أن نتحوّل من كائنات تنظيرية إلى حاضنات للأمل. أن نكتب عن الذين لا يستطيعون الكتابة، أن نشجّع من يحاولون، أن نصفّق لكلّ من أطلق صوتًا جديدًا في هذا العالم المكتظّ بالصخب.
في زمنٍ يكثر فيه التنمّر الثقافي، والشلليّة النخبوية، واحتكار المنصّات، فلنكن نحن الصوت المختلف، فلنمدّ يدًا، فلنفتح منبرًا، فلنشجّع شابًا كتب نصًا أولًا، ولنقول لطفلة خجولة تكتب الشعر: “أنتِ قادرة.”
فبهذا فقط نكون مثقفين. بهذا فقط نكون بشراً.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمي، هل تسمعينني الآن؟
- ارتعاش الخلاص
- حين تنطق الأرض وتبكي السماء
- وصايا لعصر تائه
- يا مَن كُسِرَ قلبه ولم يصرخ، الربُّ معك!
- ثلاث نَفَسات… وإلهٌ واحد لا شريك له
- كيف تفقد وزنك؟
- قلمي
- ⟡ صلاة الأرواح وأهازيج الغياب ⟡
- كيف تصبح وزيرًا في دولة عربية؟
- قراءة في حكمة الفناء من منبر الإنسان الباحث
- “حين تُقصف الهشاشة: ذوو الإعاقة بين نيران الحرب وصمت الدولة”
- حين يغيب الضوء، نبقى نحن”
- الكتابة الإبداعية… حين نداوي الجرح بالحبر
- لن يكون ردًا إيرانيًا… اطمئنوا!
- قناع الغفران… وشروخ في قلب الربّ
- التجسير وفضّ النزاعات: صرخة من قلب المجروحين
- جورج حبش… الحاضر رغم الغياب
- جسرُ القلوب
- ما دام ضميرك صاحي ومعك، اكتب…


المزيد.....




- البحرين.. جملة قالها الشيخ ناصر أمام بوتين وردة فعل الأخير ت ...
- مردخاي فعنونو: كيف عرف العالِم سر الترسانة النووية الإسرائيل ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي: أخرنا إمكانية امتلاك إيران لسلاح ن ...
- إسرائيل تضرب وسط إيران.. قصف مبنى في قم وانفجارات في أصفهان ...
- -تمويل بغباء-.. ترامب يكشف سرا عن سد النهضة
- سفن وصواريخ.. كيف تساعد أميركا إسرائيل في صد هجمات إيران؟
- -شالداغ-.. خطة إسرائيل البديلة للتعامل مع منشأة -فوردو-
- إسرائيل تعلن اغتيال قائد لواء المسيّرات الثاني بالحرس الثوري ...
- عراقجي لشبكة إن بي سي: خيار التفاوض أو الحرب متروك للأميركيي ...
- الجامعة العربية تدين الهجوم الإسرائيلي على إيران وتدعو للتهد ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - أن تكون مثقفًا يعني أن تشجّع غيرك وتدعمه