أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رانية مرجية - قراءة في حكمة الفناء من منبر الإنسان الباحث














المزيد.....

قراءة في حكمة الفناء من منبر الإنسان الباحث


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8374 - 2025 / 6 / 15 - 12:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


“خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً”
بهذه الآية الكريمة من سورة الملك يفتح الله تعالى أمام الإنسان بوابة التأمل، لا في الحياة فحسب، بل في الموت أيضًا. فالذي خلق الحياة هو نفسه الذي خلق الموت، لا عبثًا ولا قسوة، بل لحكمة عظمى، قلّ من يتدبرها وسط ضجيج الخوف والفقد.
لسنا معتادين أن نُمعن النظر في الموت إلّا حين يُداهمنا، أو يختطف من نحب، أو حين نشعر به يقترب منّا على مهل. نخشاه، نرتعب من سطوته، نتهرّب من الحديث عنه، وكأننا بوهمنا هذا نؤجل قدومه. لكن الموت، يا سادة، لم يُخلق ليرعبنا، بل ليُربّينا.
نعم، الموت تربية. إنه المدرسة النهائية في فلسفة التواضع. يأتينا ليذكّرنا بأننا لسنا أربابًا فوق الأرض، بل عابرون في مشهد قصير على خشبة الحياة. يعلّمنا أن الكرسي زائل، والمال فانٍ، والشهرة وهمٌ سرابي. كم من متغطرسٍ دفنه التراب، وكم من بسيطٍ أحياه ذكره الطيب في قلوب الناس من بعده.
الموت ليس عقابًا، كما تصوّره الأساطير أو تحقنه ثقافات الخوف. إنه جزء من النظام الإلهي المتوازن، حيث لا خلود إلا لله، ولا دوام إلا لوجهه الكريم. تخيّلوا حياة لا موت فيها، كيف ستكون؟ ظالمة، مزدحمة، بلا نهاية، بلا معنى. سيطغى فيها الإنسان أكثر، سيقتل الملل روحه، وستصبح الحياة نفسها عبئًا ثقيلاً. الموت إذًا، هو الذي يمنح للحياة قيمتها، ويضع حدودًا لطيش الإنسان.
إن الطفل الذي يموت صغيرًا لا يُعذّب، بل هو طائر من طيور الجنة، كما يخبرنا التراث الإسلامي المحمّل بالرحمة. والمريض الذي يحتمل آلامه حتى النهاية، يعلّمنا الصبر ويعلّم نفسه أن الجسد ليس إلا وعاء مؤقت للروح الخالدة. والشهيد، يا وطني، لا يموت، بل يحيا عند ربه يُرزق، وتبكيه الأرض فرحًا وامتنانًا.
وقديماً، في الحكم الصوفية، كان يُقال: “من لم يمت قبل أن يموت، مات ميتة الجاهلين”. أي أنّ الإنسان الحقيقي هو من يُدرّب قلبه على الفناء، لا بمعنى الانتحار أو اليأس، بل بمعنى التخلي عن التعلّق بما لا يدوم، وعن التمرد على قوانين الكون.
لذا، حين خلق الله الموت، خلق معه ميزانًا. ومن يتأمل الموت لا يعود كما كان. إنّ الأمهات اللاتي دفنّ أولادهن ولم يصرخن، بل سلّمن قلوبهن لله، لَهنّ منارات روحية تفوق كل الوعّاظ. أولئك يعرفن سرّ الموت، ويعرفن أيضًا أنّ الله حين يأخذ، فإنّه لا يُضيّع.
وفي زمن كثُر فيه الوجع، وفقدنا فيه الأصدقاء في الحروب، والأحبة في السرطان، والغرباء في عرض البحر، صار الحديث عن الموت ضرورة. لا لنبكي أكثر، بل لنعيش أكثر. لنفهم أن الوقت ليس بلا ثمن، وأن الحب لا ينتظر، وأن كلمة “سامحني” لا يجب أن تؤجَّل حتى الغياب.
أجل، خلق الله الموت، لا ليُرعبنا، بل لنصحو. ليذكّرنا أننا خُلقنا للحياة الأبدية، لا لتلك العابرة. خُلقنا لنبني، ونُحِب، ونغفر، ثم نغادر خفافًا، كما الطيور، إلى رحمةٍ أوسع من أن تُوصف.
وما بين الميلاد والموت، هناك فرصة اسمها “الآن”، فهل نحياها كما يجب؟



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- “حين تُقصف الهشاشة: ذوو الإعاقة بين نيران الحرب وصمت الدولة”
- حين يغيب الضوء، نبقى نحن”
- الكتابة الإبداعية… حين نداوي الجرح بالحبر
- لن يكون ردًا إيرانيًا… اطمئنوا!
- قناع الغفران… وشروخ في قلب الربّ
- التجسير وفضّ النزاعات: صرخة من قلب المجروحين
- جورج حبش… الحاضر رغم الغياب
- جسرُ القلوب
- ما دام ضميرك صاحي ومعك، اكتب…
- حرية حرية… وإلّا؟
- الكلاب أوفى من البشر… وهل في الأمر مبالغة؟
- أذهب إلى المقبرة كل يوم… لأنني لا أجدني بين الأحياء
- موج بحر يافا
- قصيدة في عيد العنصرة-العنصرة… حين تتكلّم الروح
- متى تنتهي الحرب؟
- الإنسان الحضن… حين يكون التواضع لغة القلوب
- لا تعتذر
- المسرح الفلسطيني في أراضي ال48: من الخشبة إلى الحكاية الجماع ...
- المرأة الأرثوذكسية بين الموروث والحداثة
- غزة… حين تُغني الجراح بصوت البحر


المزيد.....




- ترامب يدعو لاتفاق سلام بين إيران وإسرائيل: -الاتصالات جارية- ...
- ما مدى انخراط أمريكا في العملية الإسرائيلية ضد إيران؟ مراسلة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل تقليص قواته من غزة لدعم الجبهة ضد إير ...
- هل خدع نتنياهو ترامب في الحرب ضد إيران؟
- ماكرون يصل غرينلاند لتعزيز الدعم الأوروبي للدنمارك
- إسرائيل تمدد حالة الطوارئ حتى نهاية يونيو
- مصادر دبلوماسية عربية تتحدث عن تحرك سعودي عاجل لإعادة إيران ...
- ترامب: قد نتدخل لمساعدة إسرائيل في القضاء على البرنامج النوو ...
- الحرس الثوري الإيراني يعلن إلغاء مراسم تشييع قتلى الضربات ال ...
- الدفاع الروسية: استهداف مركز قيادة أوكراني بصاروخ إسكندر قرب ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رانية مرجية - قراءة في حكمة الفناء من منبر الإنسان الباحث