أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - غزة… حين تُغني الجراح بصوت البحر














المزيد.....

غزة… حين تُغني الجراح بصوت البحر


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8364 - 2025 / 6 / 5 - 14:44
المحور: الادب والفن
    


كلما ذُكرت غزة، أشعر أن قلبي يغوص في موج متلاطم، لا ساحل له ولا شاطئ. مدينة تحفر في صدري أخاديد من الحنين والحزن والعجز، لكنها في كل مرة تنهض من الركام، كما في الأساطير، كطائر الفينيق، تزيل الرماد عن أجنحتها، وتعلو فوق الخراب.
غزة، يا وجه الوطن المضمّد بشظايا الصواريخ، كم مرة متِّ وقُمتِ؟ كم مرة وُئدتِ في وضح الحصار، ثم تنفستِ من شقّ نافذة في جدار؟
أكتبكِ اليوم يا غزة لا لأنكِ قصة، بل لأنكِ الحقيقة التي نخجل من مواجهتها، أنتِ ضميرنا المصلوب، جرحنا المفتوح، صمتنا الفاضح، وذاكرتنا التي ترفسنا كل صباح.

غزة لا تُكتب كما تكتب المدن الأخرى. لا تصلح معها لغة التجميل ولا مفردات الغزل البارد. هي ليست قصيدة حب، بل عويل أم، وارتعاشات طفل يرتجف تحت بطانية مهترئة في ليلةٍ بلا كهرباء.
غزة لا تعرف النوم، وإن نامت، تنام على زئير الطائرات، وعلى أصوات انهيار البيوت. وإذا حلمت، فإنها تحلم بالنجاة، لا بالبحر ولا بالشِعر.
في غزة، لا أحد يسأل: “ماذا ستفعل غداً؟”، لأن الغد، هناك، ترف لا يملكه أحد. الغد في غزة فكرة افتراضية، مؤجلة على الدوام، مرهونة بهدنة لا تدوم أكثر من نشرة أخبار.

في غزة، لا تمشي الحياة على قدمين، بل على عكاز من صبر، وعلى قلب مكسور يُعاد لَحمه كل فجر بصوت المؤذن، وركعة مقاومة.
في غزة، تقف الفتاة الصغيرة أمام المرايا المكسورة، تسرّح شعرها المتشابك بأصابعها، وتعدّ الأيام حتى يعود والدها من السجن أو الحرب، أو من الغياب الذي لا عنوان له.
وفي غزة، حين يولد طفل، لا يُسأل عن وزنه ولا عن ابتسامته الأولى، بل عن مكان ولادته: هل كانت في بيتٍ مهدم؟ في مدرسة؟ في خيمة؟ أم في حُلم؟
كل طفل في غزة شاعرٌ قسراً، ومقاوم بالفطرة، ونازفٌ دون أن يعرف ما هي الطفولة.

زرتُ غزة مرة، أو هكذا خُيّل لي، عبر ذاكرة صديقتي التي كانت تسكن شارع الوحدة، ونجت بمعجزة من القصف. كانت تحكي لي عن علبة الحلوى التي لم تفتحها، لأن الطيران سبقها، وعن شجرة الليمون التي كانت تسقيها جدتها كل صباح، ثم تسقيها الدموع كل مساء.
قالت لي: “في غزة، يا رانية، نمشي بين القبور كأنها أرصفة. نعدّ أسماء شهدائنا كما تعدّون أنتم أسماء موائدكم في الأعياد”.
فهمت عندها أن غزة لا تتحدث بالعربية فقط، بل بلغة الدم والملح والصبر الأسود.

هل تعرفون ماذا يعني أن تكون غزيًّا؟
يعني أن تتقن فن العيش بلا ماء ولا كهرباء ولا ممرات آمنة، أن تُشعل الشمعة كي تدرس، وتُطفئ الحلم كي تعيش.
أن تحب وأنت تعرف أن من تحب قد يختفي في لحظة.
أن تمشي نحو البحر، لا لتستجم، بل لتصرخ…
غزة ليست معزولة عن العالم، بل العالم هو من عزل نفسه عنها. غزة ليست محاصَرة، نحن المحاصَرون في خذلاننا.
غزة لا تفتقر إلى الحياة، نحن الذين افتقرنا إلى ضمير يُنقذ الحياة فيها.

أكتبكِ يا غزة، لأني أخجل من صمتي ومن عجزنا الجمعي.
أكتبكِ لأنكِ لست مجرد جغرافيا من نار، بل كينونة كاملة من المعنى.
أكتبكِ، لا لأرثيكِ، بل لأشهد أنكِ الحيّة في زمن الأموات.
أكتبكِ لأقول إنكِ لست مأساة فقط، بل مقاومة. لست خرابًا فقط، بل عِمارة من الأمل.
أكتبكِ لأني أحبكِ، ولأن حبكِ وجع، ووجعكِ كرامة، وكرامتكِ لا تُشترى.

في آخر الليل، حين يسكن الضجيج، أسمع همسكِ من بعيد،
يا غزة…
صوتكِ يشبه صلاة، أو صراخاً، أو ربما وطنًا يناديني من وجعه.
وكلما حاولت أن أهرب منكِ، وجدتني أكتبكِ أكثر.
لأنكِ الحقيقة التي لا يمكن نفيها،
ولا يمكن إسكاتها،
ولا يمكن إلا أن نحبها… حتى الرمق الأخير.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- “العربي الجيّد”… ذلك الذي لا يُسمع له صوت ولا يُرى له وجه
- أنا القدس أنا الناصرة أنا الرملة ورام الله
- كنيستي الأرثوذكسيّة
- جميل السلحوت… راوي الجرح الفلسطيني ومؤرّخ الهامش المقدسي
- حين يبتسم الألم: قراءة نقدية في قصتي -إيش يعني مهرّج طبي؟- و ...
- منار حسن… حين تكتب المرأة الفلسطينية كي لا تُمحى
- المرأة التي تكتب من حبر الرحيل والنار: في حب ووجع مريم نجمه ...
- جبل الزيتون لا ينحني قصة للأطفال
- سليم نزال… سليل القلم المقاوم وأيقونة الفكر المستنير
- في حضرة الغياب.. بعد خمسة وعشرين عامًا على رحيل فيصل الحسيني
- تركي عامر… شاعر الجليل الذي لا يعود إلى المرعى
- مريم نجمة… ابنة الشمس والموقف والقصيدة
- سوزان دبيني… بين دفء القصيدة وصوت الوجدان
- -في انتظار اللحظة المُطلقة-
- دينا سليم... حين يكتب الغبار سيرة وطن
- شوقية عروق منصور: صوت فلسطين الأصيل بين الشعر والإعلام والقل ...
- إيمان القاسم سليمان… حين يتحول المايكروفون إلى وطن
- أحمد الطيبي… الطبيب الذي أصرّ أن يبقى قلبه في فلسطين ولسانه ...
- -غطوا رؤوسهم أولًا.. لا طفولتي!-
- نداء الجذور


المزيد.....




- ظهور سينمائي مفاجئ.. تركي آل الشيخ ينشر فيديو -مسرب- لزيزو ب ...
- نقابة الفنانين تنعى الفنانة غزوة الخالدي
- ” اضبطها وشوف أفلام العيد” تردد قناة روتانا سينما الجديد 202 ...
- توم كروز يدخل -غينيس- بمشهد مرعب في فيلم -المهمة المستحيلة - ...
- أوبرا دمشق تنتظر تغيير اسمها الرسمي وعودة نشاطاتها الدورية
- أفلام عيد الأضحى في السينما.. منافسة فنية بين كريم عبد العزي ...
- استقبال تردد قناة روتانا سينما على النايل سات وعرب سات وتابع ...
- “الخيال بقى حقيقة”.. Honor 400 Pro بيصور كأنك في فيلم وسعره ...
- هل يعيد الذكاء الاصطناعي صياغة قواعد صناعة الموسيقى؟
- نغوجي واثيونغو حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردست ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - غزة… حين تُغني الجراح بصوت البحر