رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 00:09
المحور:
الادب والفن
في بلدة فلسطينية عابقة برائحة الزعتر البري وندى الصباح، اسمها “عين النور”، كانت الحياة تنبض بالحب والكرامة تحت ظلال شجرة زيتون معمّرة تُدعى “ستي زيتونة”. لم تكن مجرد شجرة، بل كانت حارسة الوادي، وذاكرة الأرض، وراوية الحكايات.
حولها عاش أرنب أبيض يدعى سليم، وسنجابة رشيقة تُدعى ميسون، ودب طيب القلب اسمه جواد، وسلحفاة حكيمة تُعرف بـ أم رامي، وعصفورة مغردة تُدعى نغم. كانوا جميعًا من أعراق وألوان وأصوات شتّى، لكنهم اجتمعوا على شيء واحد: حبهم العميق للأرض، وإيمانهم بأن الوطن لا يُبنى إلا بالأيدي المتكاتفة والقلوب الصافية.
وذات فجر غائم، سرت شائعة في الوادي:
الذئب سِفاح قادم من خلف الجبال!
سِفاح لم يكن فقط مفترسًا، بل كان فنانًا في زرع الخوف والتفرقة. اعتاد أن يدخل القرى متسللاً، يهمس لهذا ويغري ذاك، حتى يتخاصم الجيران، فيتسلل بينهم كالثعبان.
اجتمع الأصدقاء تحت “ستي زيتونة”، وكلٌّ يحمل في عينيه شيئًا من القلق.
قال الأرنب سليم وهو يقفز بين الأعشاب:
– “كيف نواجه ذئبًا لا يحارب بأنيابه فقط، بل بكلماته؟”
أجابت السلحفاة أم رامي، التي خبرت الزمان والدهر:
– “بالوحدة، فقط بالوحدة نكسر أنيابه.”
هزّ الدب جواد رأسه وقال بصوته العميق:
– “لن نسمح للفرقة أن تدخل بيننا، فهذه الأرض تحضننا جميعًا.”
صفقت العصفورة نغم بجناحيها وغردت:
– “سنغني للوطن، وسنخيط الرايات من خيوط الشمس.”
تقدّمت السنجابة ميسون وأعلنت بحماسة:
– “فلنقسم الآن، هنا، تحت الزيتونة، أن نبقى إخوة مهما حاول العدو أن يفرّقنا.”
وضعوا أيديهم فوق بعضها البعض، ونظرت إليهم ستي زيتونة، فاهتزت أغصانها كأنها تصلي لهم.
وصل الذئب إلى مشارف الوادي، يتوقع أن يجد قلوبًا مرتجفة وصدورًا خائفة، لكنه فوجئ بجدار من المحبة أقوى من الصخور.
الأرنب يقف شجاعًا، والسنجابة تقذف بلوطًا كأنها تحمي شجرة الأجداد، والعصفورة تحلق وتنذر، والسلحفاة تسد الطريق بجسمها الصغير، أما الدب جواد فكان واقفًا كالسنديان خلفهم.
ضحك الذئب ساخرا وقال:
– “تظنون أن عناقكم سيحمِيكم؟”
ردت “ستي زيتونة” بصوتها العميق المتجذر في تراب فلسطين:
– “نحن لا نحتمي، نحن نحمي… نحمي بعضنا، ونحمي هذا الوطن من أمثالك.”
ارتبك الذئب، ثم ولّى هاربًا، يجر ذنبه بين أضلعه، بعدما أدرك أن لا سلاح أقوى من القلوب المتّحدة.
ومنذ ذلك اليوم، غدت “عين النور” رمزًا لكل بلدة تعرف أن اختلاف الأصدقاء ليس ضعفًا بل كنزًا، وأن من يحب أرضه لا يبيعها، ومن يحب جاره لا يخونه، ومن يحب السلام لا يخاف من الظلم، لأنه يعرف أن النور دائمًا يخرج من القلب المتحد، حتى في أحلك العتمات.
كاتبة فلسطينية تؤمن أن فلسطين تبدأ من حكاية، وتنمو في قلب طفل، وتنتصر حين نكون معًا
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟