أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - تركي عامر… شاعر الجليل الذي لا يعود إلى المرعى














المزيد.....

تركي عامر… شاعر الجليل الذي لا يعود إلى المرعى


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 00:48
المحور: الادب والفن
    


في الجليل، حيث تتدلّى الغيوم فوق أشجار البلوط، وتتعلم الكلمات أن تنبت من شقوق الحجارة، وُلد تركي حسن عامر. لم يكن ميلاده مجرد لحظة زمنية في 29 كانون الأول 1954، بل كان، كما أراه الآن، ولادة صوتٍ سيحمل وجع الأرض، ونُبلَ الإنسان، وهموم اللغة، ليخطها شعرًا يتجاوز التصنيف، ويخترق التوقع.
تركي عامر ليس مجرد شاعر فلسطيني من الداخل، بل هو جزء من نسيج روحي عميق، نسجهُ بأصابعه منذ مطلع السبعينات، حين خط أولى قصائده في مجلة “الدروز”، وحتى اليوم، وهو يُمسك بالقلم كمن يمسك بمفتاح قديم، يفتح به أبوابًا منسية في أرواحنا، في ذاكرتنا، وفي الخرائط الممحوة.
من الخدمة الاجتماعية إلى الخدمة الشعرية
درس عامر الخدمة الاجتماعية في جامعة حيفا، ونال منها شهادة أكاديمية عام 1977. ومنذ ذلك الوقت، لم يتوقف عن الإصغاء للناس، للذين يسكنون الهامش، للجروح المطموسة، للذين لا صوت لهم. كان أديبًا ومربيًا ومعلمًا، لكنّ الشعر ظلّ جوهره الأعمق، ودربه الأوضح.
في قصائده، لا تجد شاعرًا نخبويًا يكتب من علٍ، بل تجد إنسانًا مشبعًا بالحياة، يُصغي، يحاور، ويكتب كمن يمسح دمعة عن خدّ طفل في قرية مهمشة، أو يربّت على كتف عجوز تروي حكايا النكبة بأصابع مرتعشة.
“لن أعود إلى المرعى”… حين تصبح القصيدة رفضًا وجوديًا
في ديوانه “لن أعود إلى المرعى”، الصادر عام 2004، يبلغ تركي عامر ذروة تمرده الشعري. لم يكن العنوان مجرّد استعارة، بل كان صرخة واضحة ضد الانصياع، ضد العودة إلى القطيع، إلى الدوائر التي تُخدّر الروح وتُؤنسن السقف دون تحرير الأرض.
في هذا العمل، نقرأ شاعراً يُمزج بين الغنائية الحادة، والتأملات الفلسفية، واللغة التي تنحت حروفها من صخر الجليل. يقول في إحدى قصائد الديوان:
“أنا لا أُجيد الركض خلفَ مرعاهمْ
ولا أُجيد الصمتَ عندَ مواسمِ الذبحِ
لستُ حملًا… ولن أعودَ إلى سكينهمْ”
هكذا ببساطة، يكتب عامر قصيدته – ليس من برج عاجي – بل من حقل، من زقاق، من مقهى شعبي، من حجر في عين قانا، من عَرق الأرض في الرامة، وفي كلّ مرة، يُخرج لنا وردة، وأحيانًا خنجراً.
الثعلب الشعري… كما يسميه من قرأه بعمق
لقّبه بعض النقاد بـ”الثعلب الشعري”، لا لمكرٍ سلبي، بل لقدرته المدهشة على المناورة اللغوية، على التسلل بين شكل وآخر، وعلى أن يكتب العموديّ، والتفعيلة، والنثر، والعامية، بل وحتى بالإنجليزية والعبرية، دون أن يفقد جوهره الفلسطيني المتجذر.
تراه يكتب العامية بحميمية، ثم ينتقل إلى قصيدة نثرية تتوهّج بالغضب الصوفي، وكأن محمود درويش التقى بنزار قباني في حوارٍ داخل رأسه.
الكتابة في الداخل… خيار وجودي لا أدبي فقط
تركي عامر ليس شاعرًا يكتب من الداخل الفلسطيني، بل هو “كِتاب الداخل” نفسه. هو مَن اختار أن يواجه المؤسسة، أن يرفض التجنيد، وأن يفقد وظيفته بسبب قناعاته، لا خوفًا ولا هروبًا، بل احترامًا لدم من سبقوه، ولأرض لم تتوقف يومًا عن الولادة.
في كتاباته، نجد أثر الكنيسة كما نجد أثر الخيمة. نجد القدس وحيفا، كما نجد دمشق وبغداد. فلسطين لديه ليست جغرافيا فقط، بل حالة وجودية، وجدانية، لغوية، وميثولوجية أيضًا. وكأنه يكتبها بأسطورة جديدة… أسطورة الغائب الحاضر، الذي لن يعود إلى المرعى، لكنه لن يترك القطيع بلا أغنية.
خاتمة من حبر وحنين
تركي عامر، في صمته، أشد ضجيجًا من كثيرين. في قصيدته، رقة وسيف، زيت وزيتون، وأمّ لم تجد بعد ابنها الشهيد. هو ذاكرة تمشي على قدمين، ووجع ناطق، ولغة تتلوّن بالشمس والملح.
أكتب عنه الآن، لأنني أومن أن شعراء مثله لا يُقرأون في دفاتر العتمة، بل يُجبَر الضوء على أن يقرأهم. ولأنه، حين يغيب، سيظل هناك ديوان في الرف، ينتظر من يفتحه، ليجد فيه فلسطين وهي تبتسم، رغم كل ما حدث… وتقول:
“ما دام تركي كتبني… لن أموت.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مريم نجمة… ابنة الشمس والموقف والقصيدة
- سوزان دبيني… بين دفء القصيدة وصوت الوجدان
- -في انتظار اللحظة المُطلقة-
- دينا سليم... حين يكتب الغبار سيرة وطن
- شوقية عروق منصور: صوت فلسطين الأصيل بين الشعر والإعلام والقل ...
- إيمان القاسم سليمان… حين يتحول المايكروفون إلى وطن
- أحمد الطيبي… الطبيب الذي أصرّ أن يبقى قلبه في فلسطين ولسانه ...
- -غطوا رؤوسهم أولًا.. لا طفولتي!-
- نداء الجذور
- ‘ عبلين المجد... عندما تُصبح البلدة قصيدة - قراءة جمالية وجد ...
- القرآن والإنجيل… رسالتان من سماء واحدة لفلسطين واحدة
- رنا بشارة: الجرح الفلسطيني في جسد الفن المعاصر
- وحدة المحبة... طريقنا للحرية
- أصوات غير مرئية، كاميرا لا ترتجف: سامية عرموش تقاوم بالمعرفة
- العنصرية تسقط عند سرير الشفاء
- بسام جابر… ذاكرة الإعلام في الداخل الفلسطيني ومهندس الصوت ال ...
- الحِداد في المسيحية… عبور من الدمع إلى القيامة
- كرم منّير – لأنّ للعدالة قلب، وللخدمة المجتمعية اسم
- التصرف بمهنية: وعيٌ يتجاوز النوايا
- “ولادة من رماد الخيبة”


المزيد.....




- أربعة أدباء ومفكرين عرب يحصدون جوائز العويس الثقافية للأدب و ...
- رواية -سراب دجلة- لخالد عبد الجابر.. إرث الخذلان والفقد
- نقيب المهن التمثيلية بمصر يطمئن محبي الفنان عادل إمام: الصور ...
- وكالة الأنباء السورية -تبدأ بث أخبارها باللغة العبرية-.. ما ...
- «سامسونج تقلب الموازين في 2025».. Galaxy S25 Edge بكاميرا جب ...
- ألبومات صيف 2025: نجوم الغناء العربي يعودون بقوة والمنافسة ت ...
- مصر.. فتح تحقيق بعد اكتشاف محاولة تنقيب عن الآثار خلال زيارة ...
- الحِكمة والحُكم أو كيف تنعكس المزايا العقلية والثقافية على ت ...
- الإعلان عن الفائزين بجائزة سلطان العويس في دورتها الـ 19
- مدير متحف في برلين يحذر من صراع ثقافي عالمي تقوده واشنطن


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - تركي عامر… شاعر الجليل الذي لا يعود إلى المرعى