رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 00:42
المحور:
الادب والفن
جاءتني امرأةٌ ترتجف. لا أقول امرأة فقط، بل وطنٌ صغير من الكسور والجروح والتنازلات.
دموعها لم تكن مياهاً، بل دمًا يتدفق من شريان الخوف المزمن فينا.
أرملة، مكسورة الظهر، أمٌ لثلاثة أطفال في عمر الزهر، دفعتهم للحياة وحدها، ثم جاءوا ليكبلوها بقيود لا تنتهي:
"غطّي ابنتك!"
"إلبسيها الجلباب!"
"لا ترسليها للمدرسة لأنها مختلطة!"
أي زمانٍ هذا؟
أي عارٍ اجتماعيٍّ هذا الذي يجعل من حجاب طفلة انتصارًا دينيًا، ومن تجهيلها طاعة ربانية؟
قالت لي وهي تهمس كمن يُلقي أسرارًا في أذن قبر:
"أنا من أجبرتها على الحجاب، كانت في السابعة. أجبروني فأجبرتها. هدّدوني إن لم تفعل، وقالوا لي بالحرف: إن لم تمنعيها من الذهاب إلى المدرسة، فلا تلومينا على ما سيحدث. وأنا أعرفهم، لا يمزحون. القتل عندهم أسهل من شربة ماء."
يا سادتي،
في وطني، القتل أسهل من شربة ماء.
وفي وطني، حجاب طفلة أهم من تعليمها.
وفي وطني، صوت المرأة جريمة، ودمعة طفلة انتصار للرجولة الزائفة.
أنا لا أكتب لألعب دور الضحية.
ولا أكتب كي أرضي المتزمتين والساكتين عن الحق.
أنا أكتب لأن صمتي خيانة.
وأصرخ لأن الطفولة تُذبح كل يوم على أعتاب المساجد والمدارس.
وأنا لست ضد الحجاب، ولا ضد الدين، ولكنني ضد أن يتحوّل الدين إلى سوط، والحجاب إلى زنزانة، والطفولة إلى مشروع قمع وخوف.
يا هؤلاء، غطّوا رؤوسكم أولاً قبل أن تطلبوا من طفلة تغطية شعرها.
نقّوا ضمائركم قبل أن تفتشوا أجساد الصغيرات.
كفّوا عن تحويل البنات إلى عورات تمشي!
كفّوا عن ملاحقة الأمهات الهاربات من ذكريات القهر، ثم لومهنّ إن لم يكن دروعًا بشرية في وجه مجتمع مشلول بالإرهاب الثقافي والديني.
أنا غاضبة، وغضبي حياة.
أنا ثائرة، وثورتي كلمات لا تُكمم.
وأنا رانية مرجية، أكتب كي لا تموت طفلة أخرى، كي لا تُجبَر أمّ أخرى، كي لا يصبح التعليم جريمة، والمدرسة حرامًا، وحرية الطفلة كفرًا.
لا تلوموا الأمهات، بل حاسبوا من علّمهن الخوف.
ولا تسجنوا البنات، بل حرّروا عقولكم أولاً.
ولا تصدروا فتاوى على مقاساتكم، فنحن نؤمن بإله عادل، لا بإلهٍ يخاف من شعر طفلة.
لأن طفلةً حُرمت من مدرستها، من حقي أن أصرخ.
ومن حقنا جميعاً أن نثور.
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟