أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - رنا بشارة: الجرح الفلسطيني في جسد الفن المعاصر














المزيد.....

رنا بشارة: الجرح الفلسطيني في جسد الفن المعاصر


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 00:29
المحور: الادب والفن
    


مقدمة



في فلسطين، لا يولد الفن من ترف الجمال، بل من وجع الذاكرة. الفن لدينا ليس زخرفة، بل مقاومة. وإذا كان الفن الفلسطيني المعاصر ينوء تحت ثقل التاريخ والهوية والاقتلاع، فإن تجربة الفنانة رنا بشارة تمثل ذروة هذا التوتر الخلّاق بين الجمالي والسياسي، بين الشخصي والجمعي، بين الرمز والواقع. هي لا تُبدع من فراغ، بل من ركام القرى المهدّمة، من صدأ المفاتيح، ومن ضجيج الأسلاك الشائكة. إنها فنانة تصوغ فلسطين لا كموضوع خارجي، بل كجسد يتنفس، ينزف، ويتحدى النسيان.



المادة بوصفها ذاكرة



منذ بداياتها، رفضت رنا بشارة أن تنفصل عن التربة التي وُلدت منها. ولذلك، لم تلجأ إلى الخامات الصناعية المحايدة، بل استخدمت ما في الأرض وما عليها: التراب، الطين، الحجارة، الزيتون، الحديد الصدئ. لم تكن هذه مجرد وسائط تقنية، بل شواهد مادية على ما جرى وما لا يزال يجري.



في عملها “مفتاح العودة”، لم تقدّم رمزًا فولكلوريًا، بل وثيقة مقاومة جماعية. كل مفتاح علّقته هو قصة بيت، كل صدأ فيه هو امتداد لزمن المنفى، وكل سلسلة تعلقه بالحائط هي حبل ذاكرة لا ينقطع. بهذا الفعل البصري، لا تستحضر بشارة الذاكرة، بل تجسّدها ككائن حيّ، يرفض الموت بالصمت.



الأنثى بوصفها جغرافيا وطنية



في معظم أعمال رنا بشارة، يتقاطع الجسد الأنثوي مع الجغرافيا الفلسطينية، لا بوصفه موضوعًا للعرض، بل كجبهة من جبهات الصراع. الجسد في فنها مصلوب، مُجروح، مُحاصر، ولكنه ينبض بحياة ترفض الإخضاع. في تركيبات مثل “جسد الوطن”، تُقدّم بشارة جسد الأنثى كما لو كان خارطة فلسطين: محاصَرًا بالأسلاك الشائكة، مثقوبًا بالرعب، لكنّه لا يزال يتنفس.



وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن هذا التداخل بين الجسد والوطن ليس شكليًا، بل إيديولوجي وجمالي في آن: هي ترفض الفصل بين ما هو خاص وعام، بين ما هو أنثوي وسياسي، لأنها تعي أن الاحتلال لا يغتصب الأرض فحسب، بل يغتصب الأجساد والذاكرة في آنٍ واحد.



الفن كساحة اشتباك رمزي



رنا بشارة لا تنتج فنًا “عن فلسطين” بمعناها الشكلي، بل تنتج فلسطين ذاتها كفنّ. فلسطين في أعمالها ليست علمًا، بل غبار بيت مهدم، وحجرًا خُلع من مكانه، ومفتاحًا فقد صاحبه، وشجرة زيتون لم تجد جذورها بعد.



في هذا السياق، يمكن القول إن بشارة تنتمي إلى تقليد فني فلسطيني مقاوم، لكنها تذهب أبعد من مجرد التوثيق أو الرمزية. إنها تُنتج معرفة بصرية جديدة، تُعري الخطاب الصهيوني، وتُدين العالم الذي تطبع مع المحتلّ بينما يتجاهل الضحية.



خاتمة: الفن كأثر لا يُمحى



في زمن تتكاثر فيه المحاولات لطمس الرواية الفلسطينية، تأتي تجربة رنا بشارة كحالة تحدٍ حقيقية: لا سلام مع النسيان، ولا فن بدون ذاكرة، ولا وطن بدون مقاومة. إنّ ما تفعله هذه الفنانة لا يقتصر على “التعبير” عن الهوية، بل على نحتها في وجه العدم، وتثبيتها في زمن الخذلان الجماعي.



وحين ننظر إلى مفاتيحها المعلقة، أو ترابها المسكوب، أو أجسادها المشدودة على جدران المعارض، فإننا لا نرى فقط فنًا، بل أدلة جرمية على جريمة لا تزال مستمرة. وكل معرض لها هو جلسة محكمة، كل عمل فني هو شهادة حيّة، وكل زائر هو شاهد عيان على ما لم يُكتب في كتب التاريخ بعد.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحدة المحبة... طريقنا للحرية
- العنصرية تسقط عند سرير الشفاء
- بسام جابر… ذاكرة الإعلام في الداخل الفلسطيني ومهندس الصوت ال ...
- الحِداد في المسيحية… عبور من الدمع إلى القيامة
- كرم منّير – لأنّ للعدالة قلب، وللخدمة المجتمعية اسم
- التصرف بمهنية: وعيٌ يتجاوز النوايا
- “ولادة من رماد الخيبة”
- حين تُغتال اللغة وتُغتصب القيم: صرخة في وجه الواقع
- رحلة تطور شخصي وجماعي في إطار التوجيه والعمل الجماعي
- نُبْضُ شهيدٍ عاشق-
- وغابت التي كانت كلّ الحياة
- الف لا
- “حين يُقدَّر الإنسان، يُدهشك بعطائه”
- الدكتور إبراهيم العلم… علمٌ من أعلام فلسطين يستحق التكريم
- طوبي لعزيزتنا كلنا ام رامي أبو شرخ -زقوت- لأن ابتسامتها لن ت ...
- الأمهات لا يمتْنَ أبدًا
- أمي
- الفنانة التشكيلية جمانة بشارة فرهود (مروشي) – خارج الضوء –
- في ذكرى نصف عام على رحيل صديقتي ايقونة الرملة المهندسة بثينة ...
- عن مجموعة أسماء الياس القصصية ولد الأمل


المزيد.....




- الكتابة بالأحرف اللاتينية موروث استعماري متجذر لدى الفيتنامي ...
- رياض شهيد يعود إلى المسرح من خلال الشاعر السياب
- اتحاد الأدباء يحتفي بالباحث والمترجم سعيد الغانمي
- مهرجان - كان- يمنح سعفته الذهبية لفيلم إيراني? وكاميرته الذه ...
- بطل -حريم السلطان- الشهير يواجه حكما بالسجن بسبب -شهادة زور- ...
- الأدب الأنغولي بين الإرث الاستعماري والهوية الأفريقية.. رؤية ...
- الصراع في نقابة الفنانين السوريين يسفر عن مجلس مركزي جديد بد ...
- سوريا.. اسقاط عضوية وتعيينات جديدة في نقابة الفنانين
- فيلم عراقي يحصد جائزة عالمية.. والسبب ’صدام’؟!
- شطب أمل حويجة ونور مهنا من نقابة الفنانين السوريين وتغييرات ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - رنا بشارة: الجرح الفلسطيني في جسد الفن المعاصر