رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8364 - 2025 / 6 / 5 - 11:19
المحور:
المجتمع المدني
في زمن الرداءة المطلقة، ووسط زحام التصنيفات الأخلاقية التي تُفصَّل حسب مقاسات الاحتلال، برز مصطلح عبقري لا بد أن نرفعه على لافتات مذهبّة: “العربي الجيد”. وهو – ويا للدهشة – ليس من الجيّدين إطلاقًا، بل من الصامتين، المطيعين، المنكمشين على أنفسهم كأنهم خطأ مطبعي في رواية عنصرية طويلة.
فمن هو العربي الجيد بنظر المؤسسة؟
هو الذي يقول “نعم” قبل أن يُطرح السؤال.
هو الذي يصوّت مع الميزانية، ضد الضمير، ومع الحرب، ضد أهله.
هو الذي يبتسم بلطافة حين يُقتل ابن عمه في غزة، ويقول للكاميرا: “نثق بالقانون”. أي قانون؟ لا ندري، ربما قانون الغابة المعدّل.
العربي الجيّد هو المواطن المثالي في مخيلة الدولة: لا يُقلق أحدًا، لا يحتج، لا يكتب شعرًا، لا يغني لفيروز، ولا يضع الكوفية إلا في حفلات التنكر.
يعمل، يدفع الضرائب، يصمت، ويُشكر على الفرصة الثمينة التي مُنحت له: أن يعيش تحت سقف لا يقصف، ولو مؤقتًا.
أما العربي السيء؟ فهو الذي يسأل، يحتج، يطالب بحقوقه، يكتب بيانًا بلغة فصيحة، أو – ويا للمصيبة – يترشح للكنيست ثم يتجرأ على الحديث عن فلسطين في قلب القاعة! يا له من تمادٍ غير مبرر في الحلم.
في الإعلام العبري، يُعرض العربي الجيد بوجه حليق، وبدلة رمادية، يوافق على كل شيء، حتى وهو غير مدعو للنقاش.
في الإعلام العربي، يُعرض العربي الجيد في تقارير “التعايش المشترك”، حيث يبتسم بجانب زميله اليهودي ويأكل الحمص تحت شعار “كلنا بشر”.
نعم، بشر. بشر خُلقوا بدرجات، والجيد منهم هو الأدنى صوتًا، الأكثر خضوعًا، الأشد قابلية للتدجين.
هم لا يريدوننا مواطنين، بل شهود زور على حفل التنكيل اليومي بأهلنا.
يريدوننا طبّالين في مواسم القتل، ومصفقين حين تُقصف المخيمات.
يريدوننا أن نذرف الدموع حين يُقتل جندي، ونكتم الصراخ حين يُقصف حيّ كامل في رفح.
لكن، لنا خبرة طويلة في النجاة من التصنيفات. فالعربي الجيد لا ينام في عقولهم، والعربي الحر لا ينام أصلاً.
نحن يا سادة، لا نُجيد دور الضحية الأنيقة، بل نُتقن فنّ البقاء رغم القصف، وفنّ الكتابة رغم الحظر، وفنّ الحلم رغم المرارة.
العربي الجيد؟
هو ذاك الذي تعرفونه جيدًا… لكنه لا يعرفكم بعد
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟