أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - جميل السلحوت… راوي الجرح الفلسطيني ومؤرّخ الهامش المقدسي














المزيد.....

جميل السلحوت… راوي الجرح الفلسطيني ومؤرّخ الهامش المقدسي


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8362 - 2025 / 6 / 3 - 18:15
المحور: الادب والفن
    


في بلادٍ تتآكل فيها الجغرافيا كما تتآكل الذاكرة، وتُمحى القرى بالحبر الرسمي وتُهجّر الأسماء من الشوارع، ينهض جميل السلحوت كأيقونةٍ فلسطينية، لا يُهادن، ولا يُساوم، ولا يصمت. هو ابن القدس، لا بوصفها عاصمة أبدية فحسب، بل بوصفها حكاية يومية تُسرد على أرصفة القهر، بين جدارٍ يبتلع الشمس وطفلٍ يبحث عن حقيبته في ركام بيته.
جميل السلحوت ليس مجرّد كاتب. هو جبهة أدبية، مناضل بالكلمات، ومؤرّخ للتفاصيل التي يخشاها المؤرخ الرسمي. يكتب عن الطفولة لا ليحكيها، بل ليفضح كيف سُرقت. يكتب عن المرأة لا ليجمّل حضورها، بل ليفضح تغييبها. يكتب عن القدس لا ليمدحها، بل ليؤرّخ خرابها، وليذكّر بأنها ما زالت هناك، في الزقاق، في الكنيسة، في المسجد، في الخطوة، وفي الدمع.
الميلاد في لحظة نكبة: كأنما التاريخ اختار توقيته
ولد جميل حسين إبراهيم السلحوت في 5 حزيران 1949، بعد عام واحد فقط من النكبة، في جبل المكبّر – ذلك الحيّ المقدسي الذي يحمل اسمه كما يحمل أهله وجع التاريخ وأمل العودة. وُلد ليكون شاهدًا على مرحلةٍ لم تعد تشبه شيئًا، وعلى مدنٍ ضاعت، وحكاياتٍ حوصرت، وأرواحٍ نُفيت عن جسدها.
درس اللغة العربية وآدابها في جامعة بيروت العربية، ولكن تجربته الحقيقية لم تكن في قاعات المحاضرات، بل في السجون، وفي القرى المهجّرة، وفي عيون أمهات الشهداء. سُجن سنة 1969، ومكث عامًا خلف القضبان، ثم وُضع تحت الإقامة الجبرية ستة أشهر أخرى. لم يكن ذلك أول ولا آخر أشكال القمع الذي تعرّض له، لكنه كان شرارة المقاومة الأولى عبر القللم.
من التعليم إلى التوثيق: حين يصير الحبر مقاومة
عمل السلحوت مدرسًا للغة العربية، قبل أن ينتقل إلى الصحافة، محررًا وكاتبًا في “الفجر”، و”الكاتب”، و”العودة”، و”الشراع”، وغيرها من الصحف التي حاولت أن تحفر في الوعي حفرة صغيرة للضوء.
لكن جميل السلحوت لم يكتفِ بالحرف الصحفي، بل انتقل إلى الأدب، وهناك بدأ المشروع الحقيقي: مشروع التوثيق السردي للنكبة وللصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور إنساني، اجتماعي، نقدي. منذ ذلك الوقت، أصبحت رواياته شهادةً غير قابلة للتزوير، وسيرته سلسلة مقاومة صامتة، صاخبة في المضمون، هادئة في الأسلوب، لكنها تنهش الضمير.
في رواياته… لا نكبة واحدة، بل نكبات متسلسلة
كتب جميل السلحوت العشرات من الروايات والدراسات، لكن أبرز مشروعه الأدبي يتمثل في سلسلة “درب الآلام الفلسطيني”، والتي تضم روايات مثل ظلام النهار، جنة الجحيم، هوان النعيم، برد الصيف، العسف، وأميرة. في هذه السلسلة، يبتعد عن البطولة الفردية، ليقدّم بطلاً جماعيًا هو الشعب الفلسطيني، ويحوّل القارئ إلى شاهد لا يستطيع أن يدير وجهه عن الحقائق.
في العسف، مثلًا، نرى شخصية “خليل”، الذي يُعتقل ويُعذّب على خلفية وشاية من جاسوس. لكن الرواية لا تكتفي بسرد ما يحدث في الزنازين، بل تكشف عن منظومة اجتماعية كاملة تتآكل تحت الاحتلال والارتباط العضوي بين القهر السياسي والانهيار الأخلاقي. إنّها رواية عن القهر الاجتماعي كما هي عن الاحتلال، رواية عن كيف يُولد العميل من رحم الفقر، وعن كيف يُصبح الشكّ عقيدة في مجتمع منكوب.
من الذاكرة الشخصية إلى المأساة الجماعية: “أشواك البراري” أنموذجًا
في أشواك البراري، لا يكتب جميل السلحوت سيرةً ذاتية فحسب، بل يكتب تاريخًا بديلًا عن رواية المركز. هنا، الطفل الذي ينام في المغارة، ويتعلّم في مدرسة لا سقف لها، يصبح هو الراوي، وهو المراقب، وهو المدافع عن نفسه ضد وصمة الفقر، وضد قسوة البيئة، وضد ثقافة الذكورة القامعة.
لكن السلحوت لا يستدرج التعاطف، بل يقدّم رؤيته النقدية لمجتمعه، لموروثاته، لأخطائه، دون تبرئة أو تجميل. هذا هو الأدب الحقيقي: حين يتحوّل الكاتب إلى مرآة لا تُجامل.
النساء في أدبه: ليسن بطلات أسطوريات، بل ضحايا وباحثات عن الذات
في أعماله، تحتل المرأة موقعًا مركزيًا لا باعتبارها موضوعًا للغزل، بل بوصفها فاعلة ومفعولًا بها في آنٍ معًا. في اليتيمة مثلًا، يُقدّم شخصية أنثوية تختصر مأساة النساء في مجتمع لا يرحم، يعاقبها لأنها مختلفة، أو لأنها تُفكّر، أو لأنها تجرأت على قول “لا”.
المرأة عند السلحوت ليست “زهرةً” كما في الأدب الذكوري، بل إنسانة مكسورة، تقاوم داخل بيتها، داخل القرية، داخل الجسد، داخل الحكاية. وبذا يفتح السلحوت جرحًا آخر في الرواية الفلسطينية، جرحًا داخليًا يتجاوز الاحتلال، ليطرح أسئلة أكثر وجعًا.
أدب الأطفال: لأن التربية تبدأ من الحكاية
لم يُقصِ جميل السلحوت الأطفال من مشروعه الثقافي، بل كتب لهم أعمالًا تُربّي الذاكرة وتُحصّن الوعي. من حمروش إلى اللفتاوية، يُقدّم حكايات تربوية بلا وعظ، بل برؤية فلسفية عميقة، تقول إن التعليم يبدأ من الفقد، وإن الطفل الفلسطيني لا يملك ترف البراءة، فهو منذ ولادته مشروع مقاومة.
شخصية القدس الثقافية: تكريم لا يختصر المسيرة
عام 2012، اختارته وزارة الثقافة الفلسطينية “شخصية القدس الثقافية”، وكرّمته عشرات المؤسسات. لكنّ جميل السلحوت لم يكن يومًا بحاجة إلى الأوسمة، فقد اختار طريقًا يعرف أنه لا يحمل كثيرًا من الجوائز، لكنه يحمل الحقيقة.
هو ابن القدس، لا نجمها. يكتب من قلب الجبل، لا من أبراج الثقافة. صوته يشبه حجارة الحرم، صلبًا، صامدًا، لا يتكسّر.
في الختام… جميل السلحوت ليس كاتبًا، بل ذاكرة تمشي
في زمنٍ تُشترى فيه الأقلام كما تُشترى الذمم، يظلّ جميل السلحوت كاتبًا من طراز نادر. لا يكتب للنجومية، بل للذاكرة. لا يكتب لينال الرضا، بل ليوقظ الضمير. هو ليس “كاتبًا مقدسيًا” وحسب، بل هو القدس حين تتجلى في الكتابة، في الوجع، في الصمود، في الأمل العنيد.
فلسطين، بكل ما فيها من تعبٍ وتوق، تجد في جميل السلحوت شاهدها الأمين. وقراءه لا يخرجون من كتبه كما دخلوها، بل محمّلين بسؤال: كيف يمكن للكتابة أن تحفر في الحجر؟ وجميل يجيبهم دومًا: بالحقيقة، ثم بالصبر، ثم بالحبر المشتبك



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يبتسم الألم: قراءة نقدية في قصتي -إيش يعني مهرّج طبي؟- و ...
- منار حسن… حين تكتب المرأة الفلسطينية كي لا تُمحى
- المرأة التي تكتب من حبر الرحيل والنار: في حب ووجع مريم نجمه ...
- جبل الزيتون لا ينحني قصة للأطفال
- سليم نزال… سليل القلم المقاوم وأيقونة الفكر المستنير
- في حضرة الغياب.. بعد خمسة وعشرين عامًا على رحيل فيصل الحسيني
- تركي عامر… شاعر الجليل الذي لا يعود إلى المرعى
- مريم نجمة… ابنة الشمس والموقف والقصيدة
- سوزان دبيني… بين دفء القصيدة وصوت الوجدان
- -في انتظار اللحظة المُطلقة-
- دينا سليم... حين يكتب الغبار سيرة وطن
- شوقية عروق منصور: صوت فلسطين الأصيل بين الشعر والإعلام والقل ...
- إيمان القاسم سليمان… حين يتحول المايكروفون إلى وطن
- أحمد الطيبي… الطبيب الذي أصرّ أن يبقى قلبه في فلسطين ولسانه ...
- -غطوا رؤوسهم أولًا.. لا طفولتي!-
- نداء الجذور
- ‘ عبلين المجد... عندما تُصبح البلدة قصيدة - قراءة جمالية وجد ...
- القرآن والإنجيل… رسالتان من سماء واحدة لفلسطين واحدة
- رنا بشارة: الجرح الفلسطيني في جسد الفن المعاصر
- وحدة المحبة... طريقنا للحرية


المزيد.....




- طُردت من -الزعتري- و-داعش- طلب رأسي.. الفنان السوري نوّار بل ...
- انطلاق فعاليات مهرجان -الساحة الحمراء- للكتاب في موسكو
- يوم جامعي وانكسار صامت
- ردا على صنصال وداود المتفرنسين.. روائي جزائري يهاجم -زناة ال ...
- عادات الحجيج في صعيد مصر.. أهازيج تراثية وجداريات تخلد -رحلة ...
- الحج خطوة بخطوة
- هاشم الغيلي.. منتج الأفلام اليمني يتحدث لترندينغ عن أفلامه ا ...
- وفاة الفنانة الفرنسية المخضرمة نيكول كروازي عن 88 عاما
- المخرجة السورية وعد الخطيب.. طفولة وأمومة صاغتا عدسة -من أجل ...
- رفع التمثيل الدبلوماسي بين باكستان وأفغانستان.. ماذا بعد؟


المزيد.....

- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - جميل السلحوت… راوي الجرح الفلسطيني ومؤرّخ الهامش المقدسي