رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8369 - 2025 / 6 / 10 - 09:49
المحور:
كتابات ساخرة
قال لي صديق ذات خيبة: “الكلاب أوفى من البشر”. لم أبتسم، لم أسخر، لم أجادل. بل جلست بجانبه في حديقة المدينة، حيث كانت كلبة ضالة تهزّ ذيلها بحنان لطفلٍ صغير، وقلت له: “ربما لستَ أول من يشعر بذلك… لكنك بالتأكيد من القلائل الذين امتلكوا الجرأة ليعترفوا به”.
الكلب، يا سادتي، لا يعرف النفاق. لا يكذب حين يفرح، ولا يهادن حين يُهمل. إذا أحبّك، أحبّك بالكامل، وإذا خاف عليك، دافع عنك حتى لو كان المقابل طلقة. لا يعرف الغدر، ولا يحتفظ بحسابات خفية. لا يغيّره مزاجك المتقلب، ولا كلماتك الجارحة في لحظة انفعال.
أما البشر… فيالَخيبةِ القلب حين يكتشف أن أقربهم كان أبعدهم، وأن من وعده أن يكون في ظهره، كان أول من طعنه فيه.
نعم، لستُ ممن يؤمنون بالمطلقات، ولا أقول إن البشر كلّهم خوانون. بيننا من ضحّى، ومن صبر، ومن حفظ الودّ حتى آخر رمق. لكننا، للأسف، نحتاج إلى مجهر دقيق لنعثر على هؤلاء، بينما وفاء الكلاب يُرى بالعين المجرّدة، يُلمس في الذيل المرتجف، في النظرة الصامتة، في الانتظار الطويل على عتبة باب لم يُفتح منذ أيام.
عندما يخذلك من تحب، يصبح قلبك بلا مأوى. وهنا فقط تفهم لماذا ينام البعض بجوار كلابهم، ويكتبون لها الأشعار، ويجدون في دفئها ما لم يجدوه في حضن أم أو صديق.
ليس الأمر تحقيرًا من البشر، بل كشفٌ لحقيقتنا العارية: نحن، معشر الناس، لسنا دومًا أوفياء. نحب ولكن بشروط، نعطي ولكن بحساب، نغفر ولكن بعد أن نُذلّ. أما الكلب؟ فهو يُحبك لأنك أنت، لا لما تملك، ولا لما تقول.
فهل الكلاب أوفى من البشر؟
في زمن كثرت فيه الخيانات، قد يبدو السؤال أقرب إلى الحقيقة من المزاح. وربما، في هذا الزمن تحديدًا، نحن بحاجة لمن يربّت على أرواحنا بصمت، لا يطلب شيئًا، فقط يكون… وهذا تمامًا ما تفعله الكلاب
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟