أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الساخر الذي فضح المأساة: نبيل عودة قلمٌ من نار ومرآة من ضمير














المزيد.....

الساخر الذي فضح المأساة: نبيل عودة قلمٌ من نار ومرآة من ضمير


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8386 - 2025 / 6 / 27 - 00:12
المحور: الادب والفن
    


بقلم: رانية مرجية
في زمن يُغتال فيه الضحك ويُجلد فيه العقل، يخرج من بين غبار الهزائم صوتٌ جريء، ساخر، لاذع، لكنه إنساني حتى العظم، اسمه نبيل عودة. كاتب فلسطيني حمل همّ قضيته لا على لافتةٍ، بل على ورقة، على مفردةٍ تضحكك حتى البكاء، وتبكيك حتى الضحك. رجلٌ آمن بالكلمة، لا كترفٍ بل كسلاح، لا كبلاغةٍ بل كفضيحةٍ أخلاقية للزمن الرديء.
من الناصرة، خرج نبيل عودة كمن يحمل المدينة كلها في ذاكرته، بحجارتها وشوارعها وضجيج أهلها وصمتهم الطويل. لم تكن الناصرة مجرد مكانٍ جغرافيّ بالنسبة له، بل مختبرًا للحياة، مرآةً للانقسام الطبقي، للتشوهات السياسية، ولحكايا الناس الذين لم تلتقطهم الكاميرات ولا خلدتهم المنابر.
كاتب الطبقة المسحوقة… والساخر بوجع
نبيل عودة ليس فقط كاتبًا، بل شاهد عصر. كتب عن الشيوعيين حين صمت الجميع، وانتقد الفاسدين داخل الحركة الوطنية حين تجنبهم المصفقون. لم يهادن ولم يساوم. كان يكتب كما يتنفس، وكأن كل نصٍّ يكتبه آخر ما يملك. وإن كانت السخرية هي ملاذه الظاهري، فإن الحزن هو نبض نصوصه الحقيقي. فمن يضحك كثيرًا في كتاباته، هو غالبًا من بكى كثيرًا خارجها.
في قصصه، لا تجد بطلاً خارقًا، بل رجلاً عاديًا، يخرج إلى عمله بلا رغبة، يعود إلى بيته بلا أمل، يحلم بحياةٍ أفضل ويصحو على القهر ذاته. لكنه يضحك، يضحك كي لا يموت، يضحك كي لا يصرخ. وهنا تكمن عبقرية نبيل عودة: في تحويل القهر إلى ضحكة، والضحكة إلى موقف.
الناقد الذي خذلته الأوساط الرسمية ورفعه القرّاء
رغم غزارة إنتاجه وتنوعه بين القصة القصيرة والرواية والمقالة النقدية، لم تُنصفه الأوساط الثقافية الرسمية. تجاهلوه لأنه لم يجامل، وأسقطوه من الجوائز لأنه لم ينضم إلى موكب التصفيق. لكنه لم يتوقف. ظل يكتب وينشر، في الصحف والمواقع العربية، بصبر النمل ومثابرة الفلاح. وكان قراؤه أوفى من كل الجوائز: أحبوه، ضحكوا معه، وقرأوا له كأنهم يقرأون أنفسهم.
ولعل ما يميز نبيل عودة أكثر من غيره من الكتّاب الفلسطينيين هو قدرته على الإمساك بتفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين في الداخل، وهم الذين كادوا يُمحَون من الرواية الكبرى. لم يكن بحاجة إلى خطابٍ طنانٍ أو سرديةٍ مكرورة. كان فقط يكتب الحقيقة، لكن بحبرٍ ساخر.
نبيل عودة: شهادة ضد النسيان
كل نص كتبه نبيل عودة هو صفعة للغفلة، شهادة ضد النسيان، وعدٌ بأن القلم ما زال قادرًا على المقاومة وإن لم يحمل بندقية. لقد سخر من الانقسامات الحزبية، من النفاق الديني، من القيم التي تُرفع شعارًا وتُداس سرًّا. سخر من الاحتلال، من المحرر، ومن نفسه أحيانًا. لم ينجُ أحد من قلمه، لكنه لم يكن حاقدًا أبدًا. كان محبًا حدّ الألم، حدّ الغضب.
أدبه يشبهه: بسيط في لغته، عميق في دلالته، لا يحتاج إلى تأويلات معقدة، بل إلى قلبٍ مفتوح، وضميرٍ حاضر. وحين تقرأه، تكتشف أن السخرية ليست عيبًا، بل شرف، وليست سطحيّة، بل قاعٌ من الحزن المصفّى.
في الختام…
نبيل عودة ليس كاتبًا فقط. هو ضمير. هو ذاكرة حية لمن اختنقوا بالصمت. هو ابن هذا المكان الذي يُحِبّه رغم كل خيباته. فليقرأه من لم يقرأه بعد، لا ليضحك فقط، بل ليصحو. لأن الضحك، كما يُجيد نبيل عودة أن يقول دون أن يقول، ليس نقيض الجدية، بل ذروتها



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيمن عودة… حين يُقصى الصوت الحر من كنيست الاحتلال
- “بيني وبين الدبلوماسية ألف ميل وميل” أكتب بوضوح… لا أتملق
- نحن مسيحيون ولسنا نصارى
- الحمد لله على نعمة الإنسانية
- “الإبداع لا يُختَصر في جماعة: دعونا نتحرر من الشليلة”
- سوريا… وترتيلةُ الدم في كنيسة مار إلياس
- ✦ مسيحيو الشرق: ملح الأرض ونورها
- من يستطيع أن يُعرب كلمة “صُمير”؟
- من قال إن الكنائس لا تُفجّر؟! — دماء مار إلياس تصرخ في شوارع ...
- الرملة واللد ويافا: ثلاثية الجرح الفلسطيني من النكبة إلى معر ...
- الإصغاء كفعل مقاومة: من دورة توجيه المجموعات في مركز ريان، إ ...
- -همسات من الوطن العربي-- قصص قصيرة جداً
- أن تكون مثقفًا يعني أن تشجّع غيرك وتدعمه
- أمي، هل تسمعينني الآن؟
- ارتعاش الخلاص
- حين تنطق الأرض وتبكي السماء
- وصايا لعصر تائه
- يا مَن كُسِرَ قلبه ولم يصرخ، الربُّ معك!
- ثلاث نَفَسات… وإلهٌ واحد لا شريك له
- كيف تفقد وزنك؟


المزيد.....




- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الساخر الذي فضح المأساة: نبيل عودة قلمٌ من نار ومرآة من ضمير