أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رانية مرجية - نحن مسيحيون ولسنا نصارى














المزيد.....

نحن مسيحيون ولسنا نصارى


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8385 - 2025 / 6 / 26 - 01:47
المحور: المجتمع المدني
    


في زمنٍ تختلط فيه الألسنة وتتآكل فيه المعاني، تصبح الكلمة ليست فقط وسيلة تعبير، بل حقًّا في التسمية، وواجبًا في التصحيح، وصرخةَ هوية لا يجوز خفض نبرتها أو تشويه ملامحها. ولهذا، نقولها واضحة، ثابتة، بلا مواربة أو خجل: نحن مسيحيون ولسنا نصارى.
إنّ هذه ليست معركة مصطلحات أو جدلًا لغويًا عابرًا، بل هي وقفة ضمير في وجه تشويه تاريخيّ وثقافيّ ودينيّ، استمر لعقودٍ طويلة. وقفة تقول: لسنا استعارة لأحد، ولسنا فرعًا ثانويًا في كتاب الآخر، ولسنا اسماً أُطلِقَ علينا تعسفًا ثم صُدّر كأنه حقيقة لغوية منزّلة.

من النسب إلى النَصّ: كيف بدأ التزوير؟
في اللغة العربية، وخصوصًا في النصّ القرآني، يظهر مصطلح “النصارى” مرارًا للإشارة إلى أتباع السيد المسيح، عليه السلام. إلا أنّ السياق الذي استُعمل فيه هذا اللفظ لا يُعبّر عن المسيحيين كما هم اليوم، ولا كما كانوا في جوهر إيمانهم منذ البدء، بل عن طائفة تاريخية، ربما تأثرت بمرجعيات يهودية أو بدع لاهوتية، لا تمثّل العقيدة المسيحية الأرثوذكسية أو الكاثوليكية أو حتى البروتستانتية الحديثة.
إنّ “النصارى” بالمعنى الذي ورد في بعض التفاسير الإسلامية القديمة، كانوا يُنسبون إلى “ناصره” أو “ناصرة” – مسقط رأس يسوع الناصري – لكنّهم في أغلب الأحيان كانوا يُفهمون كجماعة انحرفت عن الناموس أو تأوّلت الوحي بما لا يتّفق مع الرؤية الإسلامية. ولذا، فإنّ استعمال مصطلح “النصارى” في السياق الإسلامي التقليدي، ارتبط بإشارات عقديّة لا تعكس صورة المسيحي كما هو في الواقع، بل كما تُرجم ضمن سياقٍ دينيٍّ آخر.

نحن مسيحيون.. هذا اسمنا وهذا وجعنا
حين نقول “نحن مسيحيون”، فإننا لا نمارس الترف اللغوي، بل نستعيد حقّنا في التسمية كما نسمّي أنفسنا. اسمنا ينبع من المسيح، لا من تأويل خارجي لتاريخنا. والمسيحية ليست حالة تبشيرية عابرة ولا ديانة أُدرجت بين صفحات كتب الفقه، بل حضور حيّ، متجذر، مشبعٌ بالمعاناة والعطاء في هذه الأرض، من فلسطين حتى لبنان، ومن العراق حتى مصر، ومن الشام حتى أعماق أفريقيا.
نحن من لبثنا في هذه الأرض، نحمل صليبها وقيامة أملها، ونتقن الشهادة بالصمت كما بالنار. نحن من كتبنا بالعربية أناجيلنا، وصغنا بالحروف السريانية تراتيلنا، ورفعنا الصلاة في كنائس كانت وما زالت بيوتًا للسلام حين انغلقت نوافذ العالم.

المصطلح ليس بريئًا: الوعي والاغتراب المعجمي
إنّ الإصرار على تسمية المسيحي بـ”النصراني”، ليس فقط اختزالاً، بل تشويشًا متعمدًا أحيانًا، يُراد منه نزع المشروعية الحضارية عن حضورنا التاريخي. فما بين “نصراني” و”مسيحي” خيط دقيق يُشبه الفرق بين من يُسمّي نفسه، ومن يُفرض عليه اسم من الخارج، كما يُفرض عليه تاريخ مشوّه ودور هامشي.
في التراث المسيحي العربي، لم نجد يومًا كاهنًا نادى بـ”يا نصارى”، ولا مؤمنًا صلّى في كنيسة “النصارى”. نحن “المسيحيون”، وهكذا نوقّع أنفسنا على جدران المغاور وفي زوايا الأيقونات، وهكذا عرّفنا المفكرون العرب من ميخائيل نعيمة إلى الأب لويس شيخو، ومن جبران خليل جبران إلى المطران جورج خضر.

بين الجهل والتواطؤ: من يستخدم المصطلح ولماذا؟
قد يستخدم بعض الناس كلمة “النصارى” بحسن نية، دون أن يدركوا الأبعاد التاريخية والمفاهيمية التي تحيط بها. وقد يصرّ آخرون، باسم “التمسك بالقرآن”، على أن هذا هو المصطلح الشرعي، ناسفين السياق، ومتجاهلين تطور الوعي الديني واللغوي.
لكننا لا يمكن أن نصمت أمام ذلك. لأن السكوت ليس تواضعًا، بل موافقة ضمنية على الطمس. ولسنا مستعدّين، نحن أبناء الكنائس الشرقية، أن نُمسَخ في لغتنا، بعد أن مُسِخنا في أوطاننا، وذُبحنا في هويتنا، وهُجّرنا من مدننا، وشُوّهت رموزنا.

خاتمة: أن تُسمّي نفسك.. هو أول شكل من أشكال المقاومة
أن نقول “نحن مسيحيون” ليس تمرينًا في البلاغة ولا ترفًا في الوعي. بل هو موقف وجوديّ وصرخة انتماء ومرآة كرامة. فمن لا يستطيع أن يُسمّي نفسه، لا يستطيع أن يدافع عن حقّه، ولا أن يكتب تاريخه، ولا أن يورث أبناءه ذاكرة نقية.
فلنكفّ عن مجاملة الجهل، ولنمتنع عن التواطؤ مع الاستسهال، ولتكن الأسماء واضحة كما الدم، ناصعة كما الشهادة، جليّة كما صلاتنا الأولى في بيت لحم:
نحن مسيحيون… ولسنا نصارى



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحمد لله على نعمة الإنسانية
- “الإبداع لا يُختَصر في جماعة: دعونا نتحرر من الشليلة”
- سوريا… وترتيلةُ الدم في كنيسة مار إلياس
- ✦ مسيحيو الشرق: ملح الأرض ونورها
- من يستطيع أن يُعرب كلمة “صُمير”؟
- من قال إن الكنائس لا تُفجّر؟! — دماء مار إلياس تصرخ في شوارع ...
- الرملة واللد ويافا: ثلاثية الجرح الفلسطيني من النكبة إلى معر ...
- الإصغاء كفعل مقاومة: من دورة توجيه المجموعات في مركز ريان، إ ...
- -همسات من الوطن العربي-- قصص قصيرة جداً
- أن تكون مثقفًا يعني أن تشجّع غيرك وتدعمه
- أمي، هل تسمعينني الآن؟
- ارتعاش الخلاص
- حين تنطق الأرض وتبكي السماء
- وصايا لعصر تائه
- يا مَن كُسِرَ قلبه ولم يصرخ، الربُّ معك!
- ثلاث نَفَسات… وإلهٌ واحد لا شريك له
- كيف تفقد وزنك؟
- قلمي
- ⟡ صلاة الأرواح وأهازيج الغياب ⟡
- كيف تصبح وزيرًا في دولة عربية؟


المزيد.....




- موسكو وكييف تستكملان صفقة الأسرى وتترقبان جولة ثالثة من المح ...
- تعهد باعتقال نتنياهو.. مرشح ديمقراطي لعمدة نيويورك يثير تفاع ...
- مقتل ثلاثة مواطنين برصاص قوات الاحتلال خلال حمايتها اعتداءات ...
- غزة على شفا انهيار شامل: الاحتلال الإسرائيلي يواصل تدمير منظ ...
- في يومه العالمي.. تقرير يوثق زيادة صادمة في عدد ضحايا التعذي ...
- إيران تنفذ حملة اعتقالات وتعدم 3 رجال بتهمة التجسس لحساب إسر ...
- البرلمان العربي يؤيد دعوة فتوح لإغاثة شعبنا ويطالب برلمانات ...
- بسبب التنميط العرقي... المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تدين ...
- لوفيغارو: هل ما زال ممكنا إنقاذ الأمم المتحدة؟
- تفاصيل موافقة تشاد على إجراء امتحانات شهادة الثانوية للاجئين ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رانية مرجية - نحن مسيحيون ولسنا نصارى