أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - “أطياف أم-














المزيد.....

“أطياف أم-


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8401 - 2025 / 7 / 12 - 09:45
المحور: الادب والفن
    


ي إحدى الزوايا البعيدة من الذاكرة، حيث تلتقي الصور الضبابية بالأصوات المفقودة، كانت هنالك صورة لأمها، كما لو كانت تلك الصورة أحد الأطياف التي ظهرت في لحظة ضبابية من الليل. لم تكن تلك الصورة واضحة تمامًا، لكنها كانت تشع بلمسة من الحنان، شعاعًا من الأمان. لطالما اعتقدت أن فقدان الأم هو مجرد غياب جسدي، ولكن مع مرور الوقت اكتشفت أن الفقد ليس فقط في الجسد، بل في الروح أيضًا، في الهمسات التي تغني بها أمي في ذهني، وفي عيونها التي كانت تعرف كل شيء دون أن تنطق بكلمة.
1. الهدم الأول:
ذات يوم، في لحظة كانت غير قابلة للتصور، رحلت أمي. كانت الساعة حينها تشير إلى السادسة مساءً. تلك الساعة التي كانت دائمًا موعد عودتها من العمل، موعد لحظة الحياة التي تبدأ عندما تلقي بكل التعب في الزاوية وتبادرني بابتسامة، تملؤني بالأمل، تهمس لي بأنها ستكون دائمًا هنا. لكن تلك المرة، كانت الصمت هو الجواب الوحيد.
كنت في الزمان الذي يُفترض أن أكون فيه طفلة، وفي المكان الذي كان من المفترض أن تجد فيه أمي السكينة. لكن الفقد كان قد وصل، وكأنه طوفان اجتاح كل شيء. لم أكن أستطيع أن أستوعب أن هناك عالمًا ستغيب عنه، وأن تفاصيلها التي كانت تتناثر حولي ستتحول إلى لا شيء.
2. الفقد العاطفي:
مرت الأيام وكأنها تيارات مائية جرفتها الحيرة. في البداية، كانت لحظات الفقد تتناثر في تفاصيل الحياة اليومية. في ملامح الوجوه، في نظرات الأشخاص الذين يمرون بي دون أن يلاحظوا الغياب. في بيوت الأصدقاء، حيث كنت أبحث عن لمسة من حنان يشبه لمسة يديها. لكن كل شيء كان يعيدني إلى السؤال المؤلم: أين هي الآن؟ كيف يمكن للروح أن تغادر هذا المكان؟
في خلوات الليل، كنت أسمع صوتًا في أعماقي يهمس لي: "لا تقلقي، فأنا هنا". لكن ذلك الصوت كان غريبًا، متناقضًا. كان أشبه بالصدى الذي يرفض أن يتناغم مع واقع الفقد. وكلما ابتعدت عن تلك الهمسات، كان الألم يزداد عمقًا.
3. العزلة الداخلية:
لم أكن وحدي في تلك الأيام، كان لدي أصدقاء وأقارب، لكنني شعرت بالعزلة. لا أحد يمكنه أن يشعر بما أشعر به، ولا أحد يعرف ما يترتب على فقدان الأم من تشتت نفسي وروحي. كنت أبحث في حديثهم عن شيء يمكنه أن يملأ الفراغ الذي تركته أمي، لكن لا شيء يمكن أن يفي بذلك. كلامهم كان يأتي، ولكن لا يتجاوز أفق الأذن. كانوا يحبونني، كانوا يرغبون في مساعدتي، لكن الفجوة كانت أعمق مما يمكن أن يسده أي شخص آخر.
4. التنقل بين العوالم:
ثم حدث شيء غير متوقع. في لحظة تأمل، بينما كنت أتمشى في الحديقة التي كانت أمي تحبها، شعرت بشيء غريب. كأن الزمن توقف، وكأنني في مكانٍ ما بين الماضي والحاضر. نظرت إلى الأشجار، وتذكرت كيف كانت أمي تهمس لي بأسمائها، وكيف كانت تشرح لي تفاصيل كل زهرة، وكل ورقة، وكأنها كانت تحمل في داخلها كل حكمة هذا الكون. فجأة، شعرت بشيء غريب في قلبي، كما لو أن جزءًا من روحها لا يزال هناك. كان الصوت في داخلي يهمس: "أنا لست غائبة، أنا هنا في كل لحظة، في كل نفس تأخذينه، في كل فكرة تخطر ببالك".
5. العودة إلى الذات:
بدأت أستعيد قوتي تدريجيًا. لم يكن الأمر سهلاً، ولكنني تعلمت شيئًا عميقًا: الفقد ليس نهاية، بل هو بداية جديدة لفهم الحياة بمعنى أعمق. لقد أدركت أن أمي كانت قد زرعت في روحي شجاعة أكبر من كل خسارة، حبًا أكبر من كل غياب. لم تعد هي تلك السيدة التي تنتظرني في البيت، بل أصبحت الحاضر الذي لا يغيب. أصبحت في داخلي، في كل لحظة من حياتي، في كل قرار أتخذه، في كل تحدي أواجهه.
الفقد علمني أن الحب لا يموت، بل يتحول إلى شكل آخر. علمتني أمي، حتى في غيابها، أن القوة تأتي من الروح، وأن الذاكرة ليست عبئًا، بل هي هدية.
6. الختام:
اليوم، أعود إلى تلك الصورة القديمة التي تتداخل فيها أطياف أمي. أشعر بحضورها في قلبي أكثر من أي وقت مضى. أمي، التي لم تفارقني، رغم غيابها الجسدي. هي هنا، في كل لحظة، في كل نفَس، في كل فكر، وفي كل خطوة أخطوها نحو المستقبل.
والآن، عندما يغمض الناس أعينهم في وجوههم، أجد أن الفقد ليس غيابًا. إنه حضور آخر، أعمق وأرقى. حضور يتسلل إلى الروح، لا ليتركنا فقراء، بل ليجعلنا أغنياء بحبهم، وبذكراهم التي لن تموت أبدًا.
تحت الأنقاض، هناك دائمًا شيء يبقى حيًا، ذلك هو الحب.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مهبِّ الجوع… غزةُ تصرخ
- -صليلُ الوشاةِ... ونحيبُ القلوب-
- -بسمة الصباح وظلّ خالد: حين يتحوّل الحزن إلى حارس-
- الخلاص بالنعمة... حين تتكلم النفس بلغة بولس
- عدالة السماء بعد الانتقال والسماء السابعة في الفكر المسيحي
- اتحبني؟
- دراسة فلسفية وجدانية لقصائد الشاعرة فوز فرنسيس ،
- مدرستي... منارةُ القلبِ والعقل
- نعمة الامتنان والشكر: دهشة الوعي وارتقاء الروح
- هناك من يقتل فخرا وهناك من يقتل جهلا
- الحياة بعد الموت : حين تشتاق الأرواح إلى بيتها الأول ،
- الدكتور نبيل طنوس: حين تصبح الكلمة وطنًا، ويصير الناقد أمين ...
- الظلام لا يُحاور النور… فلماذا أفتح نوافذي له؟
- حين يُدفن الصوت قبل الجسد – التنمّر والانتحار في مرآة الوجود
- التوحد: بين دهشة الاختلاف وجمالية التنوع الإنساني
- تقمّص الأرواح: ما بين سرّ الوجود وحكمة التكرار
- سحر خليفة تُضيء -مصابيح أورشليم-: رواية تكتب الوجع المقدسي ب ...
- بين التعميم والتضليل والتحريف... حين تُغتال الحقيقة بأيدٍ نا ...
- **الحرية الحقيقية: تأملات فلسفية في جوهر الوجود**
- غسان كنفاني... حين تصبح الكلمة بندقية واللاجئ نبيًّا


المزيد.....




- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لجميع المحافظات الدور الاول ...
- الأول له بعد 4 سنوات دون دعاية.. جاستن بيبر يفاجئ معجبيه بأل ...
- برقم الجلوس الآن.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ف ...
- “رابط شغال” نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس فقط كافة التخ ...
- استعلم برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- القديسة آجيا كاترين.. تاريخ أيقونة اللغة والجغرافيا والتاريخ ...
- “رابط فعال” نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس جميع التخصصات ...
- سراييفو.. مهرجان -وارم- يحتفي بإرث غزة وسوريا وأوكرانيا و-عا ...
- “متوفر الآن” رابط الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ج ...
- ألف مبرووك.. موعد ظهور نتائج الدبلومات الفنية 2025 ورابط الإ ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - “أطياف أم-