أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - عدالة السماء بعد الانتقال والسماء السابعة في الفكر المسيحي














المزيد.....

عدالة السماء بعد الانتقال والسماء السابعة في الفكر المسيحي


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 10:01
المحور: قضايا ثقافية
    


عندما نأخذ على عاتقنا التساؤل حول عدالة السماء بعد الانتقال، يتبادر إلى أذهاننا مشهد آخر يتخطى حدود الزمان والمكان، حيث تتشابك الأفكار حول الموت، الحياة الأبدية، وعلاقة الإنسان بالخالق. في المسيحية، تتحدد العلاقة بين الإنسان وإلهه وفقًا لمعايير رقيقة ومعقدة في آن واحد، مستندة إلى فكرة العدالة التي تتجاوز الفهم المحدود للعقل البشري. نعيش حياة في بحث مستمر عن المعنى، ونتساءل عن مصيرنا بعد الرحيل، فهل حقًا توجد عدالة سماوية تجسدها السماء السابعة؟ هل يمكن أن تكون هذه العدالة مجرد رد فعل لما قمنا به في حياتنا على الأرض؟ أم أن السماء هي مكان للخلاص الأبدي والنعيم الأزلي بعيدًا عن أي مفاهيم أرضية؟
عدالة السماء: بين الرحمة والعقاب
في الفكر المسيحي، تمثل العدالة الإلهية توازنًا بين الرحمة والعقاب، فهي ليست عدالة تقتصر على الانتصار للقوانين أو الإنصاف الميكانيكي، بل هي عدالة مليئة بالرحمة، لا تعرف التجزئة أو التفاضل بين خلق الله. ويقول الكتاب المقدس: "الرب عادل في كل طرقه ورحيم في كل أعماله" (مزمور 145: 17). هذه العدالة ليست بالعدالة المادية التي نعرفها على الأرض؛ بل هي عمق روحي يشمل كل الأبعاد الإنسانية: الفهم، والإحساس، والنية. العدالة التي تتبع الإيمان الحقيقي، وتصل بنا إلى النعيم في السماء، هي تلك التي تحكم في قلب الإنسان قبل أن يحكم في أعماله.
إن هذا المفهوم من العدالة قد يثير تساؤلات متعددة: هل هي قاسية عندما تصادف الخطايا البشرية؟ أم أنها تمنح فرصة للتوبة؟ يرى المسيحيون أن السماء ليست فقط مكانًا للعقاب للخطاة، بل أيضًا مكانًا للإصلاح الروحي، حيث تنعم الروح بتطهيرها وعودتها إلى الله. فعلى الرغم من أن الله هو القاضي العادل، إلا أن عدالته لا تعني القسوة بل الانفتاح على الغفران والتغيير.
السماء السابعة: طيف الأبدية في المسيحية
أما بالنسبة للسماء السابعة في الديانة المسيحية، فإنها تمثل أعلى مراتب النعيم الإلهي. وفي النصوص الكتابية، تُصوّر السماء السابعة كما لو أنها المكان الذي يلتقي فيه الإنسان مع الله، في وحدة روحية لا يمكن تصورها. السماء السابعة ليست مجرد فضاء في الكون، بل هي حالة من الوجود الروحي التي تعكس السمو الكامل والنقاء المطلق. يُقال في الكتاب المقدس أن السماء السابعة هي الموضع الذي يسكن فيه "العرش الإلهي"، حيث تنبثق من هناك النعم السماوية التي تفيض على المخلصين.
وفي رؤية أخرى، تصوّر السماء السابعة على أنها المنطقة التي تحوي الأرواح الطاهرة والملائكة الذين يخدمون الله، ويشهدون على مسيرة الإنسان نحو الخلاص. هي السماء التي تحيط بها أسرار لا تدركها الحواس البشرية، حيث تتناغم فيها الألحان السماوية وترتفع النفوس في عبادة أبدية لله. السماء السابعة ليست مجرد تصوّر مجازي، بل هي معراج روحي يقود الإنسان إلى أقرب نقطة من الله، حيث لا مكان للزمن أو للحدود المكانية.
لكن، السؤال الذي يظل قائمًا في الفكر المسيحي يتعلق بكيفية الانتقال إلى هذه السماء السابعة. هل يكفي الإيمان المسيحي وحده للوصول إليها؟ أم أن هناك عناصر أخرى تتعلق بممارسة الحياة اليومية، الأخلاق، والنية الطاهرة؟ الواقع أن السماء السابعة ليست هدفًا يسعى إليه الإنسان من خلال مجرد العبادات الشكلية، بل هي مآل أرواح اختارت أن تكون في خدمة الله وتطبيق مبادئ الحب، الرحمة، والسلام على الأرض.
التأمل في العدالة السماوية: هل هي فرض أم اختيار؟
عندما نفكر في عدالة السماء، لا يمكننا أن نتجاهل الإشكالية الأساسية التي تطرحها: هل العدالة السماوية هي فرض مطلق على الإنسان؟ أم أنها اختيار ينبع من التفاعل الروحي العميق مع الإله؟ في الديانة المسيحية، يقال أن الخلاص هو هبة من الله، لكن الإنسان هو من يحدد مصيره بناءً على اختياراته في الحياة. إنه يصنع قراراته، وإن كانت مشيئة الله تسير في هذا الاتجاه، فالتغيير الروحي الذي يسعى إليه يكون ناتجًا عن تفاعل الإنسان مع الله وليس فرضًا قسريًا.
العدالة الإلهية في المسيحية تتجاوز حدود مفهوم المكافأة والعقاب. هي تعبير عن الحب الإلهي غير المشروط الذي يفتح المجال للإنسان للتوبة، التغيير، والتحول الداخلي. السماء، وفقًا لهذا الفهم، لا تكون هي المكان الذي نذهب إليه بعد الموت، بل هي حالة نفسية وروحية يعيشها الإنسان أثناء حياته على الأرض، في سعيه للاتحاد بالله.
الخاتمة: عدالة السماء وآفاق الروح
في النهاية، تظل العدالة الإلهية، التي تجسدها السماء السابعة، ليست مسألة مفهومية محدودة، بل هي رحمة إلهية أعمق من أن تُحصر في حدود عقلية الإنسان. السماء السابعة ليست مجرد مكان، بل هي حالة من النقاء الروحي الذي يمكن أن يختبره الإنسان في حال بلغ مستوى من التوبة والمصالحة مع نفسه ومع الخالق. العدالة السماوية لا تقوم على العذاب أو المكافأة، بل على فرص متجددة للروح كي تنمو وتتطور نحو حالة أسمى من السعادة الأبدية.
إن الفكر المسيحي حول السماء السابعة وعدالة السماء يدعونا إلى رحلة تأملية مستمرة، حيث يصبح الإنسان مسؤولًا عن اختياراته الروحية والعاطفية والأخلاقية. في هذه الرحلة، نكتشف أن العدالة السماوية ليست عدالة مبنية على القوانين المتعالية، بل هي عدالة تقيم في قلب الإنسان، وتُظهر له الطريق إلى النور الأبدي.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اتحبني؟
- دراسة فلسفية وجدانية لقصائد الشاعرة فوز فرنسيس ،
- مدرستي... منارةُ القلبِ والعقل
- نعمة الامتنان والشكر: دهشة الوعي وارتقاء الروح
- هناك من يقتل فخرا وهناك من يقتل جهلا
- الحياة بعد الموت : حين تشتاق الأرواح إلى بيتها الأول ،
- الدكتور نبيل طنوس: حين تصبح الكلمة وطنًا، ويصير الناقد أمين ...
- الظلام لا يُحاور النور… فلماذا أفتح نوافذي له؟
- حين يُدفن الصوت قبل الجسد – التنمّر والانتحار في مرآة الوجود
- التوحد: بين دهشة الاختلاف وجمالية التنوع الإنساني
- تقمّص الأرواح: ما بين سرّ الوجود وحكمة التكرار
- سحر خليفة تُضيء -مصابيح أورشليم-: رواية تكتب الوجع المقدسي ب ...
- بين التعميم والتضليل والتحريف... حين تُغتال الحقيقة بأيدٍ نا ...
- **الحرية الحقيقية: تأملات فلسفية في جوهر الوجود**
- غسان كنفاني... حين تصبح الكلمة بندقية واللاجئ نبيًّا
- الأدب الفلسطيني بين 1995 و2024: بين النزيف والنهوض
- أمام الله، بكل قوتي-
- الفوضى التي تصنعنا ، كيف تُهندس الصدمات ملامح أرواحنا ،
- “لأنني لا أملك رفاهية الصمت”
- في حضرة التقاعد: خمسة أصوات تتداخل في مرآة رجل واحد


المزيد.....




- كثافة التواصل ووسائل هزيمة الشعور بالوحدة
- من هو الأجدر بجائزة نوبل للسلام أكثر من ترامب؟
- قتلى وجرحى بينهم أطفال إثر غارة قرب نقطة توزيع مياه وسط غزة، ...
- ترامب يقول إن الولايات المتحدة سترسل صواريخ باتريوت الدفاعية ...
- ترامب يقرر إرسال صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا
- مقتل العشرات في اشتباكات مسلّحة جنوب سوريا
- وفاة محمد بخاري رئيس نيجيريا السابق عن 82 عاما بعد مسيرة حكم ...
- سوريا: اشتباكات دامية بين الدروز والبدو في السويداء تسفر عن ...
- قتلى وجرحى خلال اشتباكات طائفية في السويداء، فماذا يحدث في ا ...
- ماكرون يقرر زيادة الإنفاق الدفاعي بـ4 مليارات دولار في 2026 ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - عدالة السماء بعد الانتقال والسماء السابعة في الفكر المسيحي