أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - الخلاص بالنعمة... حين تتكلم النفس بلغة بولس














المزيد.....

الخلاص بالنعمة... حين تتكلم النفس بلغة بولس


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 10:22
المحور: قضايا ثقافية
    


من بين الرسائل التي وُلدت من ألم السجون، ومن تأملٍ في ظلمة الروح البشرية، تخرج رسالة بولس إلى أهل رومية كوميضٍ في ليلٍ طويل. ليست مجرد خطاب لاهوتي جاف، بل صرخة وجدانية من قلبٍ عرف الخطيئة، وقلبٍ تذوق النعمة، وخطّ على الورق خلاصة تجربة وجودية، تُضيء الطريق لكل مَن سقط ثم نهض باسم المحبة.
في تلك الرسالة، تُطالعنا عبارة تقلب مفاهيم الإنسان رأسًا على عقب:
"أجرة الخطيئة موت، أما هبة الله فهي حياة أبدية في المسيح يسوع ربنا" (رومية 6:23).
ما أعمقها من عبارة! وما أبعدها عن القوالب الدينية الجامدة!
فبولس لا يعرض معادلة بين العقاب والثواب، بل يدعونا إلى حوار داخلي، إلى اعتراف مرير بأننا مخلوقات تسير على حافة السقوط، لكننا في اللحظة التي نلمس فيها قاع أنفسنا، نكتشف أن الله هناك ينتظر، لا بالحساب، بل بالهبة... نعم، هبة الحياة.
بولس، فيلسوف القلب، يدعونا لأن نواجه أنفسنا، بكل هشاشتنا، لنفهم أن النعمة ليست استحقاقًا، بل رجاء. هي ليست مكافأة للأبرار، بل ذراع ممدودة للضائعين، للذين فقدوا الطريق، ثم سمعوا نداءً في داخلهم يقول: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال".
هل يمكن للإنسان المعاصر، المحاط بالقلق والاغتراب، أن يعي معنى الخلاص؟
هل نستطيع، في زمن تسليع الروح وخراب الضمير، أن نؤمن أن هناك حبًا غير مشروط؟
أن هناك خلاصًا لا يُشترى، ولا يُستعطى، بل يُغدق علينا لأننا ببساطة محبوبون؟
بولس لا يكتب كواعظ فوقي، بل كمن مرّ في طريق دمشق وسقط من جواده وكُسرت كبرياؤه، فعرف أن لقاء الله لا يحدث في الانتصار، بل في الانكسار.
وفي رومية 8:1 يقول:
"فإذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع."
هل هناك أمل أعمق من هذا؟ أن تُمحى خطايانا، لا لأننا نسيناها، بل لأن الله قرر أن يحبّنا رغمها، لا بسببها، ولا مقابلها؟
ما أعظم هذا التحرر!
تحرر من جلد الذات، من شعور الذنب المَرَضي، من الحائط العالي بيننا وبين الغفران.
بولس يعلمنا أن نغفر لأنفسنا، لا عن ضعف، بل لأن الله غفر أولًا.
في زمن تكثر فيه المحاكم الأخلاقية، ويسود فيه خطاب الإلغاء، تأتي رسالة رومية لتقول:
لا تدينوا...
لا تحكموا...
بل أحبّوا.
ليست المحبة في فكر بولس مجرد عاطفة دافئة، بل فعل مقاومة.
أن تحبّ إنسانًا رغم جراحه، أن تؤمن بإمكانية خلاصه، أن ترى فيه ما لا يرى في نفسه، هو فعلٌ ثوريّ، فعلٌ إيمانيّ، وفعلٌ فلسفيّ من الطراز الأول.
وفي النهاية، يدعونا بولس أن نتحرر من عبودية الخوف.
الخوف من العقاب، الخوف من الرفض، الخوف من الموت، ويقولها صريحة:
"نحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله."
(رومية 8:28)
إنها دعوة للثقة، للهدوء الداخلي، لحوار صادق مع النفس.
بولس ليس فقط رسولًا، بل مرشد نفسي، وفيلسوف، وثائر.
علّمنا أن الإيمان ليس طقسًا خارجيًا، بل تحوّل داخليّ.
أن الخلاص لا يُفرض من الخارج، بل يولد في الداخل، حين نكسر قيد الخوف ونعيش بالنعمة.
ويا لروعة النعمة... حين تكون اللغة الوحيدة التي تفهمها الأرواح المتعبة.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدالة السماء بعد الانتقال والسماء السابعة في الفكر المسيحي
- اتحبني؟
- دراسة فلسفية وجدانية لقصائد الشاعرة فوز فرنسيس ،
- مدرستي... منارةُ القلبِ والعقل
- نعمة الامتنان والشكر: دهشة الوعي وارتقاء الروح
- هناك من يقتل فخرا وهناك من يقتل جهلا
- الحياة بعد الموت : حين تشتاق الأرواح إلى بيتها الأول ،
- الدكتور نبيل طنوس: حين تصبح الكلمة وطنًا، ويصير الناقد أمين ...
- الظلام لا يُحاور النور… فلماذا أفتح نوافذي له؟
- حين يُدفن الصوت قبل الجسد – التنمّر والانتحار في مرآة الوجود
- التوحد: بين دهشة الاختلاف وجمالية التنوع الإنساني
- تقمّص الأرواح: ما بين سرّ الوجود وحكمة التكرار
- سحر خليفة تُضيء -مصابيح أورشليم-: رواية تكتب الوجع المقدسي ب ...
- بين التعميم والتضليل والتحريف... حين تُغتال الحقيقة بأيدٍ نا ...
- **الحرية الحقيقية: تأملات فلسفية في جوهر الوجود**
- غسان كنفاني... حين تصبح الكلمة بندقية واللاجئ نبيًّا
- الأدب الفلسطيني بين 1995 و2024: بين النزيف والنهوض
- أمام الله، بكل قوتي-
- الفوضى التي تصنعنا ، كيف تُهندس الصدمات ملامح أرواحنا ،
- “لأنني لا أملك رفاهية الصمت”


المزيد.....




- قتلى وجرحى بينهم أطفال إثر غارة قرب نقطة توزيع مياه وسط غزة، ...
- ترامب يقول إن الولايات المتحدة سترسل صواريخ باتريوت الدفاعية ...
- ترامب يقرر إرسال صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا
- مقتل العشرات في اشتباكات مسلّحة جنوب سوريا
- وفاة محمد بخاري رئيس نيجيريا السابق عن 82 عاما بعد مسيرة حكم ...
- سوريا: اشتباكات دامية بين الدروز والبدو في السويداء تسفر عن ...
- قتلى وجرحى خلال اشتباكات طائفية في السويداء، فماذا يحدث في ا ...
- ماكرون يقرر زيادة الإنفاق الدفاعي بـ4 مليارات دولار في 2026 ...
- عباس: حماس لن تحكم غزة والحل الوحيد تمكين الدولة الفلسطينية ...
- مورسيا : مدينة يقطنها مهاجرون من شمال أفريقيا تهتز على وقع ا ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - الخلاص بالنعمة... حين تتكلم النفس بلغة بولس