أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - مناديل من حرير الكلمات: مزامير العاشق الروحاني














المزيد.....

مناديل من حرير الكلمات: مزامير العاشق الروحاني


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8408 - 2025 / 7 / 19 - 09:03
المحور: الادب والفن
    


في زمنٍ صاخبٍ تجفّ فيه ينابيع الشعر، ويبهت فيه الحُبّ تحت وطأة الاستهلاك والسطحية، تأتي مجموعة "مناديل من حرير الكلمات" ليحيى السماوي، كضوء يتسلل من نافذة الروح، ليعيد للكلمة قدسيتها، وللعشق طهارته الأولى. ليست هذه النصوص مجرد نثر شعري، بل هي ترانيم صوفية تمتح من ينابيع الفلسفة والعرفان، وتتماهى في جسدٍ لغويّ مشغول بالحنين، وبوجع المحبة، وبجمالية الحلول العشقي الصوفي.
العاشق النبيّ: الشاعر ككاهن المحبة
يمثّل السماوي هنا صورة العاشق-النبي الذي يخاطب معشوقته لا بوصفها جسدًا، بل بوصفها كينونة كونية، تمتد جذورها إلى الروح، وتغتسل بماء التأمل. نقرأه فنشعر وكأننا في حضرة صوفيّ عاشق، يسجد عند محراب الجسد والروح معًا، فيصوغ من لمسةٍ قبلةٍ، ومن تنهيدةٍ صلاة.
"حياتي قصيدة من بيت شعرٍ واحد… أنت مطلعها"
في هذا البيت النثري، لا نجد الشاعر وحسب، بل نجد الإنسان الباحث عن مطلقه، عن جزءه الضائع في الآخر. وهنا، يتحول الحبيب إلى مجاز إلهي، فيصبح العشق شكلًا من أشكال العبادة.
بين نشيد الإنشاد والحلاج: إرث العشق المقدّس
ليست مصادفة أن تُفتتح المجموعة بإشارة عميقة إلى "نشيد الإنشاد"، فالسماوي، كما سليمان، يبحث عن الجمال الفاضل، لا الجمال السوقي. وما شولميث إلّا استعارة لعشقه الأزلي الذي لم يكتمل. وكأن السماوي يردد في طيّات نثره ما قاله الحلاج ذات عشق: "أنا من أهوى ومن أهوى أنا".
"اثنان: أنا وحدي، وواحد: أنا وأنت"
بهذا التماهي، يُلغي السماوي المسافة بين العاشق والمعشوق، ليؤسس لحلولٍ شعري بينهما، حلٌّ لا جسدي فحسب، بل روحي وفلسفي.
صوفية الجسد، فلسفة اللغة
رغم العناق الحسيّ الواضح في كثير من المقاطع، إلّا أن السماوي لا يقع في فخ الغريزة، بل يرتفع بها. فالجسد عنده وسيطٌ للسمو، والقبلة طقسٌ مقدّس، يُعيد خلق العالم من جديد.
"أضلاعي قصيدة… سأستلها بعد قصيدة لأصنع لك سريرًا من الشعر"
في هذا التكوين، تتحوّل المفردة إلى ملمس، والجسد إلى ورقة، والشاعر إلى نحات في معبد الجمال.
شيفرات القرآن والحديث: الحسيّ في حضرة المقدّس
يملأ السماوي نصوصه باقتباسات قرآنية وحديثية، ليس على سبيل التزيين، بل ليمارس فعل التقديس للكلمة والحب. حين يقول:
"فأينما تولوا فثم وجهك"
نحن لا نقرأ الآية فحسب، بل نُعيد قراءتها في مرآة العشق، فتصبح الحبيبة قبلةً، ووجهًا إلهيًا يتجه نحوه القلب والبدن معًا.
رمزية الأسطورة: من جلجامش إلى شهرزاد
يستدعي السماوي رموز الأسطورة لا ليعيد سردها، بل ليمارس إعادة إنتاجها بمعجمه العاشق. "جلجامش"، "سيزيف"، "شهرزاد"، كلها تتحول إلى طيفٍ يتقاطع مع تجربة الشاعر، فتصبح الذات العاشقة مسرحًا تراجيديًا-روحانيًا لتجربة الخلود والانكسار والبحث عن المعنى.
"أعشاب كلكامش من أفعاك بريئة… لكن قلقي ليس بريئًا"
بهذه المفارقة، يعيد السماوي صياغة قلق الإنسان أمام الحب والموت، في لغةٍ تنوس بين المجاز الفلسفي والانفعال الوجداني.
تواشج الصوت والظل: ميتافيزيقا اللغة
ينجح السماوي في تحويل الحرف إلى جسد، واللفظة إلى نَفَس، حيث لا يمكن التفريق بين النص والنبض. تتوه اللغة فيه كما يتوه العاشق في حبيبته، فيغدو النص تجربة عيشٍ كاملة، لا مجرد قراءة.
"قلمي عيناي الثالثة… فهل تقرئين دمعي؟"
ما بين اللغة والدمع، يخلق السماوي معبرًا خفيًا للقارئ، ليحسّ لا فقط بالجملة، بل بما تحتها.
خاتمة: الحبّ كخلاص جمالي
"مناديل من حرير الكلمات" ليست مجموعة نصوص نثرية فحسب، بل هي طواف في محراب العشق، حيث تتصادى الفلسفة مع التصوف، والجسد مع الروح، والمقدس مع الحسيّ، في تجربة قرائية لا تشبه إلا ذاتها. يحيى السماوي هنا لا يكتب… بل يتجلّى.
إنه يحيى السماوي الذي يكتب نشيد الإنشاد الحديث، نشيد لا مكان فيه للزيف، بل للوضوح الصارخ، للحب الطاهر، للكتابة التي تمسّ القلب قبل الورق.
وبهذا، نُسجّل شهادة محبة ودهشة في حضرة شاعرٍ، علّمنا أن اللغة يمكن أن تكون حريرًا… وأن القلب يمكن أن يُكتب بمناديل.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -فراديس إنانا-: تجلّيات الخلاص والموت في شعر يحيى السماوي قر ...
- قراءة في قصة -خمّ الديوك- – لنبيل عودة
- الله يعرفني… وأنا أعرفه… وهذا يكفي
- أن تكون إنسانًا أولاً
- خمسةُ أشهرٍ من الغياب… وكبرُ الحنين
- نظرة من الداخل: المتوحدون وذوو الإعاقات الذهنية التطورية... ...
- البُعدُ أجمَل
- شتّان بين من مهنتهم الأيديولوجيا... وبين من حوّلوها إلى فنٍ ...
- وجعٌ يقاومهُ وجع
- العطاء الموجع… حين تُزهِر الأرواح من دموعها
- -نحنُ الملحُ الباقي... والجرحُ النّديّ-
- -الديك والانتخابات الديمقراطية-
- في حضرة الشراكة: أبطالٌ في قلب الوطن
- بعد موت الأمل: حين يصير القلم موطناً للروح المنفية
- “أطياف أم-
- في مهبِّ الجوع… غزةُ تصرخ
- -صليلُ الوشاةِ... ونحيبُ القلوب-
- -بسمة الصباح وظلّ خالد: حين يتحوّل الحزن إلى حارس-
- الخلاص بالنعمة... حين تتكلم النفس بلغة بولس
- عدالة السماء بعد الانتقال والسماء السابعة في الفكر المسيحي


المزيد.....




- إيشيتا تشاكرابورتي: من قيود الطفولة في الهند إلى الريادة الف ...
- فرقة موسيقية بريطانية تؤسس شبكة تضامن للفنانين الداعمين لغزة ...
- رحيل المفكر السوداني جعفر شيخ إدريس الذي بنى جسرًا بين الأصا ...
- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - مناديل من حرير الكلمات: مزامير العاشق الروحاني