أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - -فراديس إنانا-: تجلّيات الخلاص والموت في شعر يحيى السماوي قراءة وجدانية جمالية














المزيد.....

-فراديس إنانا-: تجلّيات الخلاص والموت في شعر يحيى السماوي قراءة وجدانية جمالية


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8408 - 2025 / 7 / 19 - 08:26
المحور: الادب والفن
    


في ديوان فراديس إنانا، لا نقرأ قصائد متفرقة، بل نُقادُ إلى مدوّنة روحية كُتبت بدم القلب ونار المعاناة. هنا، الشاعر يحيى السماوي لا يكتب شعرًا فحسب، بل يُقيم معبدًا لغوياً تتعانق فيه الأنثى والإله، الوطن والمنفى، الصعود والهبوط، الرغبة والعقاب. هو عمل شعري فريد، تتكاثف فيه الأسطورة والواقع، وتتشابك فيه رموز الحب الإلهي والشوق الإنساني، ليصير الشعر نبوءة وصلاة ومرآة لحلم بعيد المنال.

✦ إنانا تهبط: المعشوقة والمخلّصة والنبية
منذ السطور الأولى، تهبط إنانا من برجها العلوي، لا لتغوي كما اعتدنا في الميثولوجيا، بل لتحتجّ. إنها تمثّل احتجاج الأنثى الكونية على فساد المعبد الأخضر، على رجال الدين المرائين، وعلى تبر كلكامش المُكدّس في قصور الطغاة. إنها أنثى سومرية، لكنها أيضًا فلسطينية وسورية وعراقية، إنها امرأة الأرض المهدورة، والوطن المغتصب، والهوية الباحثة عن خلاص.

يكتب السماوي:

"هبطتْ من برجها العلويّ إنانا / احتجاجًا على أنليلَ وما يكنزُ من تبرٍ ومالٍ وقيانْ..."

هبوط إنانا هو بداية الثورة، إنه انكسار الرمز الذكوري وولادة حلم جديد، تفتح فيه الأنثى صدرها للشعراء، وتلبس العشب بدل الحرير، وتستبدل التاج بالقنب الأبيض والعطر الطبيعي.

✦ معراج الشاعر: من جسد الغواية إلى فردوس الحرف
الشاعر نفسه يعيش في نصوص هذا الديوان تجربة صوفية فائقة، يتدرّج فيها من غواية "شامات"، إلى عشق "إنانا"، إلى خيبة "أوروك" المعاصرة. يبدأ كالطفل، ثم يتحول إلى نبي، ثم إلى رماد. في كل مرحلة، اللغة تصير أثقل، أعمق، أشدّ غموضًا وشفافية في آن.

"قلتُ يا مولاتي المعصومة اللذات / سمعًا وامتنانْ
أنا أتعبني اللهوُ
وأغواني كما أغوى أنكيدو شمّاتْ..."

في هذا التحول، يصعد الشاعر إلى الفردوس ثم يُلقى إلى الجحيم. فـ"فراديس إنانا" ليست وعدًا بالخلاص، بل اختبارًا مريرًا للحقيقة. هي الحلم حين يُكوى بالخذلان، والحب حين يُغلف بالأسئلة، والقصيدة حين تتبدّد في متاهة الرموز.

✦ بين أوروك القديمة وأوروك المعاصرة: جغرافيا الخراب
من أكثر ما يلفت في هذا العمل هو إسقاط المدينة السومرية "أوروك" على حاضرنا العربي. ففي أوروك القديمة، كانت إنانا تزرع الحياة، وكان الراعي والملك والراهب يتساوون في الكرامة. أما في أوروك السماوي، فكل شيء احترق:

الكاهن لص،

القاضي فاسد،

والفنّ تحول إلى تجارة،

والشمس صارت تستجدي الضوء من فانوس.

هذه هي صورة حاضرنا. والمفارقة أن الشاعر لا يعلن اليأس، بل يسرد الخراب كمن يهيئ الأرض لزراعة جديدة، كأنّ الشعر هو الفأس الأخيرة التي تحرث اليباب.

✦ لغة مغموسة بالنار والعطر
اللغة في هذا الديوان ليست مجرد أداة، بل هي كائن حي، يتنفس ويئنّ ويتوهّج. فالشاعر يزاوج بين مفردات سومرية قرآنية توراتية، وصور حسية حادة تنبض بالجسد والروح معًا. نقرأ الشعر فنشعر أننا في حضرة صلاة، أو تراتيل، أو حفلة جنائزية لجنازة الحب الأول.

"أنا زرعٌ وقد حان حصادي
ما من سُحبٍ
تُنْبِئُ عن غيثٍ مُغيثٍ
يُعشِبُ الأرضَ من فارقي..."

كل بيت هنا يحمل شحنة فلسفية وجدانية عالية. ليست القصيدة ترفًا لغويًا بل حالة وجودية. كل كلمة مختارة بعناية غريزية، تُمزج بالحبر والدّم والندم والحنين.

✦ الخاتمة: قصيدة في شكل نبوءة
"فراديس إنانا" ليست مجرد مجموعة شعرية، بل هي ملحمة روحية تُستعاد فيها الأسطورة لا لتُحكى، بل لتُستنهض. وهي، في وجه من وجوهها، وصية يحيى السماوي الأخيرة لنا، أن نبحث عن خلاصنا في قلوبنا، لا في كلكامش السياسي، ولا في الأصنام الحديثة. أن نعود إلى "إنانا" في داخلنا، لنستعيد ما تبقّى من ضوء.

إنها فردوس الكلمة الأخيرة في صحراء القصيدة.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في قصة -خمّ الديوك- – لنبيل عودة
- الله يعرفني… وأنا أعرفه… وهذا يكفي
- أن تكون إنسانًا أولاً
- خمسةُ أشهرٍ من الغياب… وكبرُ الحنين
- نظرة من الداخل: المتوحدون وذوو الإعاقات الذهنية التطورية... ...
- البُعدُ أجمَل
- شتّان بين من مهنتهم الأيديولوجيا... وبين من حوّلوها إلى فنٍ ...
- وجعٌ يقاومهُ وجع
- العطاء الموجع… حين تُزهِر الأرواح من دموعها
- -نحنُ الملحُ الباقي... والجرحُ النّديّ-
- -الديك والانتخابات الديمقراطية-
- في حضرة الشراكة: أبطالٌ في قلب الوطن
- بعد موت الأمل: حين يصير القلم موطناً للروح المنفية
- “أطياف أم-
- في مهبِّ الجوع… غزةُ تصرخ
- -صليلُ الوشاةِ... ونحيبُ القلوب-
- -بسمة الصباح وظلّ خالد: حين يتحوّل الحزن إلى حارس-
- الخلاص بالنعمة... حين تتكلم النفس بلغة بولس
- عدالة السماء بعد الانتقال والسماء السابعة في الفكر المسيحي
- اتحبني؟


المزيد.....




- إيشيتا تشاكرابورتي: من قيود الطفولة في الهند إلى الريادة الف ...
- فرقة موسيقية بريطانية تؤسس شبكة تضامن للفنانين الداعمين لغزة ...
- رحيل المفكر السوداني جعفر شيخ إدريس الذي بنى جسرًا بين الأصا ...
- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - -فراديس إنانا-: تجلّيات الخلاص والموت في شعر يحيى السماوي قراءة وجدانية جمالية