أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - القصيدة التي نزفت: يحيى السماوي يكتب الوطن بجسده














المزيد.....

القصيدة التي نزفت: يحيى السماوي يكتب الوطن بجسده


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 08:06
المحور: الادب والفن
    


في زمنٍ تعفّ فيه الكلمات من فرط الألم، وتموت فيه القصائد خجلًا أمام صرخة يتيم أو دمعة أرملة، يُولد شعر لا يُقرأ، بل يُنزف. هكذا وجدتُ نفسي، وأنا أتصفّح ديوان "جرح أكبر من الجسد"، أقف على عتبات الحرف، لا كقارئة، بل كشاهدة على وجعٍ، غريبة في وطنٍ يشبهني ولا يشبهني، وطنٍ يسكنني ويفتك بي.
بين الصلاة والتمرّد: الإيمان الجريح
يفتتح السماوي ديوانه بنداءٍ صوفيّ الروح، مكلوم الفكر:
"ربّنا، إنّا سمعنا هاتفًا يهتف بالعدل الإلهي..."
لكن هذه الصلاة لا تلبث أن تنقلب على نفسها، كأنّ الإله ذاته قد خُدع ببشرٍ نكثوا العهد. هنا، لا يعود الإيمان ملاذًا، بل جرحًاإضافيًا، وخيانةً روحية ممن تاجروا بالوعد المقدس، وورّثوا الإمامة للباطل.
السماوي لا يكفر، لكنه يسائل الله بلغة المحزون، يفتح جرح الإيمان دون أن يفقد يقينه، ويكتب الألم على جدران الروح بمداد من صمتٍ مفجوع.
تمجيد الجوع وتعرية السلطان :
في هذا الديوان، لا شيء يعلو فوق الجوع – لا كحاجةٍ جسدية، بل كنداءٍ للعدالة.
الجوع هنا نبيٌّ، يفضح الكروش المنتفخة، ويصرخ في وجه القصور المذهّبة بخرائط الموت.
"كلّكم راعٍ... والجماهير خِراف!"
بجملةٍ واحدة، يختزل السماوي قرونًا من الاستبداد السياسي والديني.
كلمات لا تخجل من فضح "الخليفة"، و"المغني"، و"المفتي"، الذين تحوّلوا إلى شركاء في نهب القمح والنفط، وتبرير الذلّ باسم الدين.
لاهوت الأرض: الشعر كصرخة الأنبياء الجدد
"جرح أكبر من الجسد" ليس ديوانًا، بل كفنٌ مغمّسٌ بالعطر، يحمل بين طياته جثمان أمةٍ بأكملها.
قصائد السماوي لا تبحث عن البلاغة ولا المحسنات، بل تصرخ، تهدر، تنفجر كالبركان.
يرى الشاعر في القصيدة سيفًا، وفي الكلمات وسيلة للقصاص.
لا ينشد الجمال بل الحقيقة، والحقيقة عنده دامية، عارية، لا تتزيّن.
يصرخ دون مواربة:
"سأسمي الحاكم المترف وغدًا
وأسمّي قصره الماخور، والحاجب سمسارًا..."
يا له من مجدٍ أن يمتلك الشاعر شجاعة التسمية!
فالكلمات في هذا الديوان لا تكنّي ولا تُجامل، بل تُدين، وتُعرّي، وتحاكم.
نبوءة الهاوية... أم نداء القيامة؟
يتكرر النداء في النصوص بحرقة:
"يا صاحب الزمان... يا منقذنا..."
نداءٌ يائس، كصرخات الثكالى في مقابر النجف، أو وجع الأمهات في مخيمات الشتات.
لكن هذا النداء لا يفيض رجاءً، بل يكشف عجز الإنسان عن التغيير، واستسلامه البطيء للموت، وهو لا يزال يتنفّس.
كأنّ السماوي يكتب وصيّة الشعر الأخيرة، قبل أن يلفظ التاريخ أنفاسه الأخيرة.
خاتمة: الشعر كأداة عدالة
أكتب هذه السطور، لا كناقدة أدبية، بل كامرأة شهدت ما كتبه السماوي، كما يُشهد على موت قريب.
لقد أهدانا شاعر العراق والعروبة ديوانًا بحجم الوطن، ديوانًا لا يُقرأ بل يُحسّ، لا يُحلّل بل يُبكى.
"جرح أكبر من الجسد" هو الجرح الذي نحمله جميعًا؛ في فلسطين، في العراق، في كلّ أرضٍ نُهبت باسم الله.
لكنّه أيضًا شمعة لا تنطفئ، وسيف لا يصدأ، ونداء لا يُكتم.
فليُقرأ هذا الديوان لا كمجموعة شعرية، بل كوثيقة مقاومة، كإنجيل جديد للكرامة.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تمشي يدُ الله في الحقل
- بين سماءٍ وأرض
- وصمة الدم… لا الطُهر
- مناديل من حرير الكلمات: مزامير العاشق الروحاني
- -فراديس إنانا-: تجلّيات الخلاص والموت في شعر يحيى السماوي قر ...
- قراءة في قصة -خمّ الديوك- – لنبيل عودة
- الله يعرفني… وأنا أعرفه… وهذا يكفي
- أن تكون إنسانًا أولاً
- خمسةُ أشهرٍ من الغياب… وكبرُ الحنين
- نظرة من الداخل: المتوحدون وذوو الإعاقات الذهنية التطورية... ...
- البُعدُ أجمَل
- شتّان بين من مهنتهم الأيديولوجيا... وبين من حوّلوها إلى فنٍ ...
- وجعٌ يقاومهُ وجع
- العطاء الموجع… حين تُزهِر الأرواح من دموعها
- -نحنُ الملحُ الباقي... والجرحُ النّديّ-
- -الديك والانتخابات الديمقراطية-
- في حضرة الشراكة: أبطالٌ في قلب الوطن
- بعد موت الأمل: حين يصير القلم موطناً للروح المنفية
- “أطياف أم-
- في مهبِّ الجوع… غزةُ تصرخ


المزيد.....




- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...
- أحمد عايد: الشللية المخيفة باتت تحكم الوسط الثقافي المصري
- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - القصيدة التي نزفت: يحيى السماوي يكتب الوطن بجسده