أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - قوس الرمل














المزيد.....

قوس الرمل


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8413 - 2025 / 7 / 24 - 02:58
المحور: الادب والفن
    


في عمق الصحراء، حيث تختلط الرمال بالسماء في حضنٍ لا يفرّق بين الأزمنة، حيث لا صوت إلا همسات الرياح التي تمسح على روح الأرض، كان هناك قوسٌ من الرمل، يلوح كلوحةٍ ضبابية، تمد ذراعيها بين الأرض والسماء، مثل ابتسامةٍ ضائعة في التاريخ، لا يعرفها إلا من يملك قلبًا يستقبل وجع الوجود.
هناك، في حضن الصحراء، كانت ليلى تجلس، وحدها. لكن ليس كما يظن الآخرون. لم تكن وحيدة كما يبدو للعيون التي تعبر مسرعة، بل كانت تستمتع بصمتها الذي يملأ فضاءها بأعماقٍ لا تصل إليها الكلمات. كان قلبها يرقص على إيقاع الرياح، وأفكارها تتناثر على ذرات الرمل كما تتناثر آلام الماضي وتترك وراءها أثرًا لا يُمحى.
رغم السكون، كانت ليلى تحس بوجعٍ يتسرب إلى أعماقها، في كل هبّة ريح، في كل ذرة رمل تتناثر بعيدًا. كان قوس الرمل أمامها ليس مجرد مشهد، بل مرآة لروحها، انعكاسًا لذكرياتها التي تتبعثر ثم تعود لتكتمل مرةً أخرى. كانت ترى فيه حياة ضائعة بين حطام الزمن، وقصائد لم تكتب بعد، وأحلامًا لم تجرؤ على الطيران.
في كل مساء، كانت تفتح دفترها القديم، الذي امتلأ بأحرفها المكسورة، برسائل لم تُرسل، وأسرار لم تُكشف. وكل كلمة كانت تنساب مثل موجاتٍ هادئة في البحر. لكن الريح كانت تأتي، لتأخذ تلك الكلمات، تمسحها برفق، كما لو كانت تقول لها: "كل شيء يُمحى ليُصاغ من جديد. لا تخافي، فالفراغ الذي يشعر به قلبك هو بداية الإبداع، بداية الحلم."
في تلك اللحظات، كان قوس الرمل أمامها يتحول إلى أكثر من مجرد رسم على الأرض، كان يصبح رمزًا لحياةٍ عاشت بينها وبين نفسها، رحلة بين الفقد والعودة، بين الحزن والشفاء. كان القوس يتنفس معها، وتتنفس هي معه، في رقصةٍ صامتة، كأنهما يشتركان في سرٍّ واحد، سرّ الزمن الذي يذهب، ويعود، ويخلق أفقًا جديدًا من أجل أملٍ جديد.
ليلى لم تكن تحتاج إلى أن تجد الكلمات لتفسير ما كان في قلبها، فالقوس كان يكتب عنها أكثر مما تكتب هي عن نفسها. كان يروي قصة حبٍ مع الحياة، لا تبدأ ولا تنتهي، بل تستمر في كل لحظة، في كل قطرة رمل، في كل نسمة هواء، في كل سكونٍ وعاصفة.
وفي كل صباح جديد، حين تشهد الشمس أول خيوطها، كانت ليلى ترى في القوس بداية جديدة، صفحة لم تُفتح بعد، يومًا ينتظر أن يُكتَب فيه. وكلما اقتربت من قوس الرمل، شعرت أنها لا تقترب من المكان، بل تقترب من نفسها، من قلبٍ تملؤه الأشواق، ومن روحٍ تبحث عن وطنٍ داخل هذا العالم الواسع.
القوس، كما كان في نظرها، لم يكن مجرد صورة للحظة عابرة، بل كان مرفأ لرحلة طويلة في ذاتها، نقطة انطلاق لشفاءٍ لا يُرى إلا في الصمت، وفي اللقاء مع الذات المكسورة التي تعود لتبني نفسها، قطعةً قطعة. كانت تعرف أن الوجع يظل دائمًا، لكنّه يصبح جزءًا من جمال الروح عندما تتعلم كيف تقبله وتمنحه مساحةً في القلب.
ومع كل صباح، كانت ليلى تبتسم للقوس، تشكره لأنه شهد على رحلةٍ لم تنتهِ، ورغم كل الرياح التي كانت تذهب بالألم بعيدًا، فإن في قلبها كان هنالك حبٌّ لا يموت، حُبٌّ للحياة التي تدور حولها بلا توقف، وحبٌّ لذاتٍ عادت لتجد مكانها في هذا الكون اللامتناهي.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 🌿 تراتيلُ العارفين 🌿
- قصيدة: فَكِّرْ بِنَفْسِكَ وَأَنْصِفْهَا
- -حين كنتُ صغيرة... كنتُ أحلم-
- العائدون من الموت إلى الحياة: شهادات الروح حين تتجلّى
- القصيدة التي نزفت: يحيى السماوي يكتب الوطن بجسده
- حين تمشي يدُ الله في الحقل
- بين سماءٍ وأرض
- وصمة الدم… لا الطُهر
- مناديل من حرير الكلمات: مزامير العاشق الروحاني
- -فراديس إنانا-: تجلّيات الخلاص والموت في شعر يحيى السماوي قر ...
- قراءة في قصة -خمّ الديوك- – لنبيل عودة
- الله يعرفني… وأنا أعرفه… وهذا يكفي
- أن تكون إنسانًا أولاً
- خمسةُ أشهرٍ من الغياب… وكبرُ الحنين
- نظرة من الداخل: المتوحدون وذوو الإعاقات الذهنية التطورية... ...
- البُعدُ أجمَل
- شتّان بين من مهنتهم الأيديولوجيا... وبين من حوّلوها إلى فنٍ ...
- وجعٌ يقاومهُ وجع
- العطاء الموجع… حين تُزهِر الأرواح من دموعها
- -نحنُ الملحُ الباقي... والجرحُ النّديّ-


المزيد.....




- -كل ما نريده هو السلام-.. مجتمع مسالم وسط صراع أمهرة في إثيو ...
- -ميغان 2- دمية القرن الجديد التي أعادت تعريف رعب الدمى في ال ...
- هل يحب أولادك أفلام الرعب؟ أعمال مخيفة مناسبة للأطفال
- -وحشتوني يا أهل الأردن-.. أحلام تشوق جمهورها لحفلها في مهرجا ...
- مايا ويند: هكذا تتواطأ الجامعات الإسرائيلية مع نظام الفصل ال ...
- منع فرقة -كنيكاب- الأيرلندية من المشاركة في مهرجان -سيجيت-.. ...
- حنظلة: قصة كاريكاتير، وسفينة تحاول -كسر الحصار- عن غزة
- أشبه بفيلم أكشن.. سائق سيارة مسروقة يفقد السيطرة ويخترق أبوا ...
- رسائل الأحزان من العشَّاب الأندلسي إلى حصيفة الدمشقية
- باب توما.. الحي الذي يروي دمشق بأزقتها وفسيفساء الأجراس والح ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - قوس الرمل