رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8430 - 2025 / 8 / 10 - 08:55
المحور:
الادب والفن
ليست الحكاية عن فستانين وحسب، ولا عن تاجر يعجز عن بيع بضاعته، بل هي مرآة صغيرة تعكس ملامح عقلية اجتماعية متجذّرة، حيث القيمة لا تُقاس بالجوهر بل بالسعر، وحيث الإعجاب لا يتكوّن من الجودة، بل من الوهم الذي يصنعه الثمن المرتفع.
عامر عودة، في قصته القصيرة “رجل فاشل”، ينجح في حياكة مشهد بسيط ظاهريًا، لكنه مشحون بالرموز. التاجر، الذي يحاول تسويق فستانين بتخفيض كبير، يكتشف أن المنطق التجاري لا يسير دائمًا وفق ما تمليه القوانين الباردة للبيع والشراء. النساء يزهدن في الفستان لمجرد أن ثمنه زهيد، وكأن رخص السعر شهادة على تدنّي الجودة أو انعدام القيمة.
الزوجة، بدورها، تكشف بحسّ أنثوي ما فشل الزوج في إدراكه: أن جزءًا من قرار الشراء، خاصة في عالم الموضة، لا تحدده الحاجة ولا الذوق، بل الشعور بالتميّز والمكانة الاجتماعية الذي يوحي به السعر المرتفع. وحين تضاعف السعر وتضع الفستان في واجهة العرض، يتحول الإهمال السابق إلى رغبة ملحّة في الامتلاك، وكأن الفستان اكتسب سحره من الرقم المعلّق عليه لا من قماشه أو تصميمه.
القصة هنا ليست مجرد حيلة بيع ناجحة، بل نقد لثقافة استهلاكية تحكمها المظاهر. إننا أمام مفارقة إنسانية مؤلمة: ما يُهمل حين يكون في متناول اليد، يصبح فجأة مرغوبًا حين يوضع خلف زجاج الرفعة المصطنعة. إنها لعبة قيم مقلوبة، حيث الرفاهية ليست في الجودة، بل في القدرة على الدفع.
عن أسلوب عامر عودة
يمتاز عامر عودة بلغته الواضحة وإيقاعه السردي المتماسك، حيث يبتعد عن الزخرفة اللغوية المفرطة لصالح بناء مشهد حيّ، يترك للحدث والحوار أن يقودا القارئ نحو الفكرة. الحوار القصير المكثّف في القصة ليس عابرًا، بل أداة دقيقة لنقل التحولات النفسية، وإظهار التباين بين نظرة الرجل والمرأة إلى مفاهيم القيمة والرغبة. يبرع الكاتب في رسم شخصياته بملامح سريعة لكنها كافية لتثبيت حضورها في ذهن القارئ، ويترك النهاية مشرعة على تأملات تتجاوز حدود الدكان لتطال حياتنا اليومية وعلاقتنا بالأشياء.
وفي النهاية، يترك الكاتب قارئه أمام سؤال أوسع من ثمن الفستان: كم من الأشياء والأشخاص في حياتنا نقيّمهم بناءً على “بطاقة السعر” التي يضعها الآخرون عليهم؟ وكم من الفرص الحقيقية نمرّ بجانبها دون أن نلتفت، فقط لأنها لم تُقدَّم لنا في واجهة زجاجية
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟