أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - قراءة لديوان “لماذا تأخرتِ دهراً؟” للشاعر يحيى السماوي














المزيد.....

قراءة لديوان “لماذا تأخرتِ دهراً؟” للشاعر يحيى السماوي


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 10:17
المحور: الادب والفن
    


في ديوان “لماذا تأخرتِ دهراً؟”، لا نقرأ شعراً فحسب، بل نعبر أنفاقَ الروح المعتمة والمضيئة معاً، نتلمس وجع المنافي، نلوِّن الشوق بدم القصيدة، ونصغي إلى نشيد عاشقٍ صوفيٍّ أعياه الحنين فارتقى به إلى مرتبة الحكمة. هذا العمل ليس فقط وثيقة شعرية نازفة، بل هو “أناجيل” قلب عاشقٍ، متصوّف في محراب الوجع، مسكون بهاجس الوطن، ومجبول بندى الحبيبة.
هوية القصيدة: صوفية التراب واللهب
تأتي قصائد السماوي كمحارقَ نورانيةٍ ، ترسم من الرماد يقيناً، وتحيل الجرح إلى صلاةٍ معلّقة على وترٍ مشدود بين الأرض والسماء. هو شاعر يعرف أن الأوطان لا تُروى فقط بدماء الجنود، بل أيضاً بدموع العشاق، وأن الحبَّ لا ينفصل عن النضال، وأن الشعر لا يكون شعراً إن لم يكن مقاماً صوفياً يُطهّر القلب من القبح، ويعيد ترتيب الفوضى.
“كامل” الحاضر في غيابه :
قصيدة “كامل” ليست مجرد رثاء لكامل شياع، بل تمثال لغائبٍ ينهض من الحروف كأنه نبيّ. لا يقول السماوي إن كامل مات، بل يرسمه عائداً من نبع الخلود، ناطقاً باسم الكادحين والطيّبين. يستحيل “كامل” رمزاً يتجاوز الفرد ليتجلى كبطل ملحميّ اختار القتال بالمحبة، بالحرف، بالنعناع والريحان، لا بالسيف. إنّ القصيدة تتحوّل إلى ترنيمة، فيها من نشيد الإنشاد ومراثي إرميا ما يضع الموت في مواجهة الرجاء، والغياب في مواجهة النبوءة :
" فاختار كاملُ أنْ يقاتلْ
بالنورِ لا بالسيفِ
بالنعناعِ والريحانِ
بالحرفِ المناضلْ
وبعشبِ فلاّحٍ
وريشِ حمامةٍ
وبصبرِ عاملْ "
على مشارف الستين:
في قصيدة “على مشارف الستين”، لا يتصالح الشاعر مع الزمن بل يعاتبه، ويكاد يُشهِر عليه قصاصاً لغوياً مفعماً بالأسى والعرفان. الزمن هنا ليس مجرد عدّاد للعمر، بل خصمٌ يطارد الشاعر، يحاسبه، يُذوّبه في لُجّة الندم، في كؤوسٍ من غيابٍ لا يرتوي. تتوالى مفردات الوجع: الخذلان، الغربة، انطفاء الأحلام، تصدُّع الذات، ويتحوّل الجسد إلى أداة إدانة، والعمر إلى مسرح تراجيديّ بلا ستائر ختامية. لكنّ الشاعر لا يندم على الحبّ بل يندم على ما لم يستطع إنقاذه :
" ستون في ركضٍ ولم أصِلِ
نهرَ الأمانِ وواحةَ الأملِ
ستون مرّتْ غيرَ ممطرةٍ
مرَّ الطيوفِ بجفنِ مكتحلِ
أحلى الأماني أن أرى وطني
حُرًّا وقومي دونما كللِ
هوية المرأة بين القداسة والخيانة:
المرأة في هذا الديوان ليست جسداً ولا صورةً نمطية. إنها تارةً “ضوئية الشامات”، كأنها أسطورة مشتهاة، وتارةً قاتلة شاعرها، ناسجةً كفنه بمغزل الغدر. هي المجاز المقدس الذي يبدأ بالحب وينتهي بالخذلان. لكنها تظلّ مركز الكون، حتى حين تذبح، تظلّ سيّدة المعبد :
" ياناسجًا كفني بمغزلِ غدرهِ
ومُشمِّتًا بيْ حاسدًا وعذولا
محَضَتكَ أنهاري النميرَ وأوقفتْ
شفتي عليكَ اللثمَ والتقبيلا "
لكنّ السماوي لا يسقط في فخّ الكراهية، بل يحاكم بمرارة العارف. فالقصائد التي تمتلئ بالعتاب، ليست ثأراً من امرأة، بل دعوة إلى فهم الإنسان في هشاشته، وعريه، وانهياراته. هي قصائد عن كيف يصير الحبُّ موتاً نبيلاً، وعن كيف يمكن لجسدٍ أن يصير قصيدة، ولقبلةٍ أن تُستبدَل بدفنٍ رمزيّ في مقبرة الذكريات.
ثنائية المنفى والحنين :
الوطن في الديوان هو “الهوى الأول”، هو الجسد الآخر الذي غادر ولم يعد. العراق ليس أرضاً فقط، بل صورةٌ للحنين الذي يأبى أن يشيخ. يكتب السماوي كمن يمسح عن جبين العراق تعبَ العقود، ويرتّل له كما يرتّل الأب لطفله المريض. فبغداد والماء والنخيل والفرات ومقاهي السماوة ليست مشاهد، بل أعضاء مفقودة من جسد الشاعر.
هو يعرف أن العودة إلى الوطن لم تعد ممكنة، لأن الوطن لم يعد هو. ولأن الزمن سرق تفاصيله، والمكان غادر وظيفته الشعورية. ولذلك، فإن العودة الوحيدة الممكنة هي بالقصيدة، وهي وحدها الوطن الذي لا يُحتلّ.
جماليات اللغة:
لغة السماوي مشبعة بصور رمزية، ذات طابع أسطوري، صوفي، ولغويّ نبيل. لا يكتفي بالشعر ليقول، بل يصوغ رؤيته الوجودية كاملة. في كل بيت نجد مفردةً مشبعة: النعناع، الربابة، الحناء، المسك، النداء، السندس، البردى، النجوم، السهر، الغمام، الهدهد، الزيتون، التين… وكأنّ الشعراء الحقيقيين لا يكتبون، بل يحيون اللغة في زمن يَشيخ فيه الكلام.
الشعر كحياة بديلة :
لعلّ الديوان برمّته هو سيرةُ روحٍ تشتهي أن تعيش في اللغة، لا خارجها. كل قصيدة هي شرفة تطل على خرابٍ حميم، وكل استعارة تحمل في رحمها صرخةَ مولودٍ شعريّ جديد. وهو حين يخاطب الحبيبة، إنما يخاطب ذاته، وطنه، ظلّه، الله.
ختامًا
“لماذا تأخرتِ دهراً؟” هو مرآة شعرية كبرى، يضعها السماوي في وجه الحياة، لا ليتجمّل، بل ليكسرها ويعيد تركيبها من شظايا الطفولة، الحنين، الوطن، والأنوثة الجريحة.
في هذا الديوان، نكتشف كيف يمكن للحب أن يكون صلاة، وللمرأة أن تكون أمة، وللوطن أن يكون أنثى، وللشاعر أن يصير راهباً في دير الحروف.
هو ديوان لا يُقرأ، بل يُرتّل.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حينَ يزهرُ الصبّارُ في القلب: قراءة لرواية -إلى أن يُزهر الص ...
- حين يُصبح النقد مرآةً للروح والشعر: قراءة في دراسة إيمان مصا ...
- حين يُقتل الحنان بصمت: قراءة نقدية في “لقد قتل الفقد روح الك ...
- حين يُقتل الحنان بصمت: قراءة نقدية في “لقد قتل الفقد روح الك ...
- يا نارَ الانقسامِ، كُفّي
- من أين أملك لغتي؟
- الكاتب الكبير... الذي لا يكتب!
- -نكبتنا لم تَغِب... بل كبُرت معنا-
- توجيه مجموعات للمتوحدين: عبور إلى عالمٍ آخر
- دوائر الظلم
- الله منحك الحرية… فلا تسلّمها لأحد
- 🌿 القدسُ… حين تتنفسُ الروحُ حجارةً 🌿
- “النهر المتصحِّر”… مرثيّة لوطن مصلوب على ضفاف الخيبة قراءة و ...
- في حضرة الزُرقة النقية
- ما بين الحُبُورِ والوجع
- ✦ بين الحبر والنبض: حين وجدتُ ذاتي بين القراءة وقلوبه ...
- � في السماء السابعة… أمي 🌿
- � رثاء فيروز لزياد 💠
- 🌿 القدسُ… حين تتنفسُ الروحُ حجارةً 🌿
- الحياة في زمن العار والنفاق


المزيد.....




- في حضرةِ الألم
- وزير الداخلية الفرنسي يقدّم شكوى ضدّ ممثل كوميدي لتشببيه الش ...
- -بائع الكتب في غزة-.. رواية جديدة تصدر في غزة
- البابا يؤكد أن السينما توجد -الرجاء وسط مآسي العنف والحروب- ...
- -الممثل-.. جوائز نقابة ممثلي الشاشة SAG تُطلق اسمًا جديدًا و ...
- كيف حوّل زهران ممداني التعدد اللغوي إلى فعل سياسي فاز بنيويو ...
- تأهل 45 فيلما من 99 دولة لمهرجان فجر السينمائي الدولي
- دمى -لابوبو- تثير ضجة.. وسوني بيكتشرز تستعد لتحويلها إلى فيل ...
- بعد افتتاح المتحف الكبير.. هل تستعيد مصر آثارها بالخارج؟
- مصر.. إصابة الفنان أحمد سعد في ظهرة ومنطقة الفقرات بحادث سير ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - قراءة لديوان “لماذا تأخرتِ دهراً؟” للشاعر يحيى السماوي