أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - حين تُشرعُ الكلمات نوافذ الحوار _ فوز فرنسيس ورانية مرجيّة















المزيد.....

حين تُشرعُ الكلمات نوافذ الحوار _ فوز فرنسيس ورانية مرجيّة


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 08:29
المحور: الادب والفن
    


حين يمسي طعام الانسان طعامًا آخر! _ فوز فرنسيس

قرأت قصيدة الشاعرة رانية مرجيّة عن والدتها، بعنوان "خبزُها... كتب، وصلاتُها... قصائد"، تأثرت بها وتماهيت كثيرًا مع فحواها، فقد زرعت والدتها في نفسها حب الأدب وهي صغيرة السنّ، كما وسبق لوالدي رحمه الله أن يغرس حبّ الشعر في نفسي، ورأيتني أغوص بين كلماتها، أسبّح وأهلّل لهذا الجمال.
رانية مرجية تخلّد بقصيدتها والدتها التي رحلت عنّا قبل نصف عام تقريبا. هذه الوالدة المؤمنة التي اختارت أن يكون خبزها مغايرًا، ليس الخبز المقدس ما قصدته مع أني رأيت هناك تلميحا ما في ثنايا كلماتها، " يا قدّيسةً لم تُزَكِّها الكنائس، ولا رفعها المذبحُ فوق الجدران".
هذه الأم اختارت أن يكون خبزها الكتب، فكيف يأكل الانسان الكتب وكيف يشبع منها!
هذا عندما تكون الكلمة زادًا وغنى للعقل، بها نحلّق ونسمو إلى فضاءات ولا يعود الطعام الجسدي هامّا بقدر ما تفعله الكلمات، وبالأخص الأدب والشعر في النفس من راحة ونشوة واكتفاء، هذا الشعور لا يعرفه إلا من اختبر وعاش الكلمة وجمالها وصادقها.
في القصيدة تخبرنا الشاعرة عن والدتها وما كانت تقوم به، فهي حارسة مكتبات المدينة، تجمع الكتب النادرة، تقتني لصغيرتها الكتب: "كم من مرةٍ عدتِ بالكتبِ بدلَ الخبز، وبالقصائدِ بدلَ الحلوى"، لتحفّزها على حب المطالعة والأدب، وتهمس لها أن الشّعر يشبع أكثر وأن القصص تُنبت فيها أجنحة حين تنكسر الأبواب.
كم من القصص كانت لنا هدايا ونحن صغار السنّ، وكم كانت فرحتنا بمثل هذه الهدايا، وللأسف صرنا إذا أهدينا اليوم قصة لصغير ما وكأننا ننتقص ونسخر منه، ويحذّرون من إهداء قصة خاصة في ذكرى ميلاد صغير.

تتابع الشاعرة وتسهب في شرح حالة الوالدة عندما كانت تقرأ القصائد؛ ما أروع التشبيه بين الصلاة والقصيدة، فالإنسان في صلاته يخلو إلى ربّه ويناجيه رافعًا صلاته بهمس، وفي الصلاة راحة نفسية وهدوء وملجأ حين الصعوبات، ووالدتها في طقسها وقراءتها للشعر، هي أشبه بمن يصلّي، ويتهجّى أسماء الله.
يا لروعة هذا التشبيه وهي في قراءتها ورغم صوتها المنخفض تجعل الجدران تصغي والحروف تذوب كالشمع. تنقل لنا صورة حيّة لطقس القراءة هذا بكلّ صدق وعفويّة وسلاسة الألفاظ والتشبيهات، حتّى يخيّل للقارئ أنه أمام متعبّدة ترفع صلاتها لربّها، ومن عذوبة صوتها تذوب الحروف.
"تقرئين القصائدَ كمن يصلّي،
كمن يتهجّى أسماءَ الله في العتمة
ويجد فيها ملاذًا وضياء
وحين كنتِ تقرئين بصوتكِ الخفيض،
كانت الحروفُ تذوبُ كالشمع،
وكانت الجدرانُ تُصغي،".
وتنتقل شاعرتنا بعد هذا متوجّهة لمناجاة فقيدتها، مصرّحة أنها لا تكتب عن موت ولا عن فقدان، بل عن حياة أبدية. مشاعر سامية تتعدّى الحزن الأرضي الإنساني لتحلّق عاليا بها وتسكنها هناك في الأعالي، حيث الحياة الأبدية التي يتوق لها الانسان المؤمن، وهنا نلحظ أيضا تماهي شاعرتنا بأحاسيسها مع أحاسيس وطقوس والدتها التي زرعت في نفسها حبّ الأدب والشعر، كيف لا وقد عاشت حياتها الأرضية كلها وهي تسكن وتغوص في النصوص، حتى تجذّرت هذه العادات في نفس ابنتها أيضا " كلما شعرت أن الأدب صلاتي، وأنكِ أولُ من أرشدني للقبلة"، والقِبلة هي محبة الله دون شروط وحساب وخوف، وقد تكون قصدت بها حب الأدب والشعر.
"لا أكتب عن موتٍ ولا عن فُقدان،
بل عن حياةٍ أبديةٍ
أسكنها كلما قرأتُ كتابًا،
كلما كتبتُ قصيدة،
كلما شعرتُ أن الأدبَ صلاتي
وأنكِ أولُ من أرشدني للقبلة"

يبدو لنا واضحا في القصيدة توظيف ألفاظ من الكتاب المقدس والإيمان المسيحي على امتداد القصيدة " صلاة، قديسة، الكنائس، مذبح، سجدة، يذوب الشمع، موت، حياة أبدية، صلاة، الله محبة".

لقد أبدعت شاعرتنا برثائك هذا للوالدة رحمها الله وأدام ذكرها عطرًا في نفسك. من لا يوجعه رحيل أهله ومن لا يشعر باليتم حتى وإن تقدّمت به السنون، لكن ذكريات الأهل وأثرهم ودورهم في تهذيب النفس وتوجّهها يبقى أبدا عالقا خالدًا لا ينسى، وكيف ينسى وإن ربّونا على حبّ اللغة والأدب وعشق الكلمة فهي البداية " في البدء كانت الكلمة".
دمت شاعرتنا بكلّ ألق ودام حرفك الماتع سيّالا غزيرا وفكرك متّقدًا.

رابط القصيدة
https://alkarmel48.com/?p=9051

رد رانية مرجيّة
حين تكتب فوز فرنسيس، تضاء الأرواح بالحبر والنور.

حين تقرأ فوز فرنسيس، تشعر وكأن قلبك قد التقط لحنًا قديمًا، دافئًا، مألوفًا، يوقظ فيك الحنين والإيمان معًا. وحين تنطق كلماتها، فإنك لا تسمع صوت ناقدة أو قارئة عابرة، بل تسمع صلاة من نوع آخر، صلاة مكتوبة بلغة من يعرف أن الكلمة الأولى كانت البدء، وكانت الخلاص.
أشكر الشاعرة والناقدة المتألقة فوز فرنسيس من القلب، لأنها قرأتني بقلبها، لا بعينيها فقط. لأنّها تماهت مع نصي كما لو أنه بعض من ذاكرتها، وغاصت في وجعي، وكأن أمي كانت أمها، والقصيدة بعض من طقوسها.

لقد قرأتِ قصيدتي عن أمي الراحلة، لا كقارئة عادية، بل كأخت في الحبر والروح، كمصلية مثلي تؤمن أن القصيدة سجدة، وأن الخبز قد يكون كتابًا، وأن الشِّعر قد يُطعم النفس ما لا يُشبع به الجسد.
تحليلك لم يكن تحليلًا أدبيًا بقدر ما كان فعل حبّ، فعل إيمان بجمال الكلمة حين تنبع من قلب صادق، وحين تقال في وداع من علمنا كيف نتهجى الضوء في العتمة.
وقفتُ أمام كلماتك كما أقف أمام أيقونة مقدسة، أقرأها وأستعيد أنفاسي، فقد منحتني أكثر مما تمنح القصائد عادة: منحتني يقينًا بأن صوت أمي ما زال يصغي إليّ من هناك... من الجهة التي لا يصلها موت.
أحييك أيتها الشاعرة النبيلة، على قدرتك أن تقرئي النصوص بروحك، وأن تربطي بين فعل القراءة وفعل العبادة، بين فعل الحب وفعل الذاكرة.
لقد فهمتِ أمي كما أردت أن تُفهم. وأعدتِ لي قصيدتي كأنها ولدت للتو من رحم الضوء.
شكرًا لك لأنك جعلتِ حزني صلاة، وجعلتِ كلماتي أجنحة لا تُكسر.
دمتِ لنا فوز فرنسيس، نبيّة في محراب الحرف، وشاعرةً تعرف أن "الأدب صلاة".
ردّ فوز فرنسيس

في الحقيقة، لم أشأ في كلماتي عن قصيدتك أن أثقل كاهل من يمرّ بها ولا أن أكون عبئًا على النص وجماله، لكن قصيدتك هذه وبكل صدق استدرجتني واستنطقتني بكل عفوية، وتماهيت معها كما سبق وذكرت، وهذا الأهمّ برأيي أن يعجبك نصّ ما، يستوقفك ويستدعيك لأن تكتب عنه.
نصّك يا "رانية" مجبول بماء الوفاء لوالدتك وذرّات طحين المحبة التي نشأت عليها، فجاءت كلماتك صلاة صادقة وآيات مقدّسة في حقّ الوالدة التي تستحق، جاء نصّك نابعًا من أعماقك وحين تكون كلماتنا رقيقة صادقة بسيطة فإنها تدخل القلب دون استئذان وتحرّك لواعجنا ومشاعرنا وتُعمِلُ فكرَنا.
أنا لا أجامل إنما أكتب ما أشعر به وبكل شفافية وصدق، وأكتب حينما يعجبني النص وأتماهى معه، وهذا ما وجدته في بوحك والذي يرقى فعلا ليصبح أنموذجًا في الخشوع والصلاة لمن يعتبر، أو قصيدة وفاء للأم لأفضالها علينا تستحق التأمل، أو قصيدة محفّزة ومستفزّة إيجابا لمن يعشق الشعر فيجد فيها جمال اللغة وسحر الصور الشعرية.
هنيئًا لك بوالدة زرعت فيك حبّ الصلاة وحبّ الكلمة والشعر، سيبقى ذكرها خالدًا في نفسك.
وأخيرا، أقدّر روعة كلماتك وأثمّن عاليا شهادتك بحقّي، وأعتز بك صديقة كاتبة مثقّفة غزيرة العطاء، تملك لغة غرّاء غنية وفكر ألق، دمت ودام قلمك الحرّ الصادق.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خبزُها... كتب، وصلاتُها... قصائد
- قراءة لديوان “لماذا تأخرتِ دهراً؟” للشاعر يحيى السماوي
- حينَ يزهرُ الصبّارُ في القلب: قراءة لرواية -إلى أن يُزهر الص ...
- حين يُصبح النقد مرآةً للروح والشعر: قراءة في دراسة إيمان مصا ...
- حين يُقتل الحنان بصمت: قراءة نقدية في “لقد قتل الفقد روح الك ...
- حين يُقتل الحنان بصمت: قراءة نقدية في “لقد قتل الفقد روح الك ...
- يا نارَ الانقسامِ، كُفّي
- من أين أملك لغتي؟
- الكاتب الكبير... الذي لا يكتب!
- -نكبتنا لم تَغِب... بل كبُرت معنا-
- توجيه مجموعات للمتوحدين: عبور إلى عالمٍ آخر
- دوائر الظلم
- الله منحك الحرية… فلا تسلّمها لأحد
- 🌿 القدسُ… حين تتنفسُ الروحُ حجارةً 🌿
- “النهر المتصحِّر”… مرثيّة لوطن مصلوب على ضفاف الخيبة قراءة و ...
- في حضرة الزُرقة النقية
- ما بين الحُبُورِ والوجع
- ✦ بين الحبر والنبض: حين وجدتُ ذاتي بين القراءة وقلوبه ...
- � في السماء السابعة… أمي 🌿
- � رثاء فيروز لزياد 💠


المزيد.....




- -مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف ...
- السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا ...
- المخرج علي كريم: أدرك تماما وعي المتلقي وأحب استفزاز مسلمات ...
- وفاة الممثلة كيلي ماك عن عمر ناهز 33 عامًا بعد صراع مع السرط ...
- ليدي غاغا تتصدر ترشيحات جوائزMTV للأغاني المصورة لعام 2025
- عشرات الإعلاميين والفنانين الألمان يطالبون بحظر تصدير السلاح ...
- بين نهاية العباسي وأواخر العثماني.. دهاليز تظهر أثناء حفر شا ...
- ظهور جاستن ببير مع ابنه وزوجته في كليب أغنية Yukon من ألبومه ...
- تونس: مدينة حلق الوادي تستقبل الدورة الرابعة لمهرجان -نسمات ...
- عشرات الفنانين والإعلاميين يطالبون ميرتس بوقف توريد الأسلحة ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - حين تُشرعُ الكلمات نوافذ الحوار _ فوز فرنسيس ورانية مرجيّة