رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 10:56
المحور:
الادب والفن
في قصيدتها «تجدّد» من مجموعة «سفر مع الذات» الصادرة عن الدار الأهلية – حزيران 2025، تطلّ علينا المبدعة والشاعرة سلمى جبران بعمل شعري يفيض بالصفاء الروحي والعمق الوجداني، نصّ يُشبه صلاةً تتلوها الروح وهي تعبر من ليل الانكسار إلى فجر القيامة.
القصيدة تبدأ من مناخ لاهوتي عميق، حيث تستحضر الشاعرة نعمة متّى، وتربط بين الألم الشخصي وسرّ القيامة. هذا الإطار الديني لا يأتي كمجرد إشارة رمزية، بل يتجلى كجذر وجودي للنص، يمنحه بعدًا روحانيًا يتجاوز الحدث الفردي ليصبح تجربة إنسانية شاملة.
البنية الزمنية والرمزية
النص يتحرك عبر ثلاث محطات زمنية: الموت، الانتظار، ثم البعث. رمزية اليوم الثالث، المستمدة من الموروث المسيحي، تصبح هنا استعارة كبرى عن قدرة الروح على النهوض من الرماد. فاليوم الأول والثاني يرمزان للموت النفسي والفراغ الروحي، بينما اليوم الثالث هو لحظة الإحياء، القوة، واستعادة الذات.
الصور الشعرية والتحول الدلالي
في السطور: «تتقطّع في روحي كل الأجزاء اليابسة وتُرمى… خضراء تعاود إحيائي»، نجد التحول الجوهري الذي يخلقه النص: الجفاف يتحوّل إلى اخضرار، والفقد إلى ميلاد جديد. هذه ليست مجرد صورة بلاغية، بل فعل إعادة خلق، حيث تمارس اللغة دور البذرة التي تنبت من جديد.
الإيقاع الداخلي
رغم انتماء النص لقصيدة النثر، إلا أن جبران تمنحه إيقاعًا داخليًا عبر:
• التكرار: تكرار كلمة «اليوم» يمنح النص إيقاعًا زمنيًا.
• التوازي التركيبي: مثل «في يوم… أو يومين… أو أكثر»، ما يضفي موسيقى هادئة.
• الفواصل النفسية: علامات الحذف والنقاط التي تتيح مساحات للتأمل.
الحميمية والبعد الوجداني
القصيدة اعتراف صادق بتجربة موت داخلي، لكنها ليست استسلامًا، بل عبور نحو الإحياء. الألم حاضر، لكنّه يتحوّل إلى جسر نحو النور. هذا الصدق العاطفي هو ما يجعل النص قريبًا من القارئ، ويجعله يشعر أن الشاعرة تكتب تجربته هو أيضًا.
الخاتمة وبلاغة الإصرار
«وتظل الروح مرابطة وتدوم»
هذه الجملة الختامية بيان شعري عن الإصرار على الحياة. كلمة «مرابطة» تستحضر المعجم المقاوم، وتمنح الروح صورة المقاتل الثابت، أما «تدوم» فتتجاوز الأمل لتصل إلى يقين الاستمرار.
خلاصة نقدية
قصيدة «تجدّد» عمل شعري مكثف يزاوج بين الرمز الديني والحميمية الشخصية، ويقدّم نصًا غنيًا بالصور والتحولات، يعيد للقارئ إيمانه بقدرة الروح على الانبعاث من رمادها. رغم قصرها، تحمل القصيدة سفرًا كاملًا من الرموز، بين الأرضي والسماوي، بين الجفاف والاخضرار، بين الموت والقيامة.
إنها قصيدة تقول للقارئ: قد تُدفن أكثر من مرة، لكن هناك دومًا يوم ثالث ينتظرك… يوم تتفتح فيه الروح كما تُزهر الأرض بعد مطر طويل
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟