رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8434 - 2025 / 8 / 14 - 08:50
المحور:
الادب والفن
هناك نصوص لا تُقرأ بعين القارئ العابر، بل بعين التاريخ وهو يطلّ من بين الحروف، وبقلب الأمم وهي تبحث عن مكانها بين الشعوب. “عُهُودُ الأسِنَّةِ” لزاهر بولس ليس مجرد ثلاثة أبيات، بل هو ميثاق شرف مكتوب بالحبر والدم معًا، يضعنا أمام سؤال الوجود الحضاري:
كيف ترتقي الأمم؟
يفتتح الشاعر بسطر يضرب في عمق الذاكرة العربية:
“عَلَى هَذَا تَرْتَقِي الأقْوَامُ والأُمَمُ / سِنَانُ الرِّمَاحِ والقِرْطَاسُ والقَلَمُ”
هنا، لا ينحاز زاهر بولس إلى السيف وحده ولا إلى القلم وحده، بل يعلن صراحة أن الحضارة لا تقوم إلا على جناحين: جناح يحمي، وجناح يلهم. السنان يحرس الحدود، والقلم يحرس المعنى.
ثم يواجهنا بحقيقة صادمة، قد تزعج الحالمين بعالم يحكمه الحبر فقط:
“الرِّيْشَةُ لَا تَحْمِي سِلْمَ مَا خَطَّتْ / مَنْ ظَنَّ غَيْرَ ذَا جَاهِلٌ عِلْمُهُ عَدَمُ”
هنا ينكسر الوهم، ويقف القارئ أمام مرآة التاريخ: كم من مواثيق سلام خُطّت بريش الذهب، ثم مزّقتها سيوف الغدر في لحظة غياب السنان؟
لكن بولس لا يهدم حلم الريشة، بل يرفعها إلى مقام الإلهام:
“الرِّيْشَةُ تَرْفَعُ إِبَاءَ النَّفْسِ مُلْهِمَةً / وَعَلَى سِنَانِ القَنَاةِ يُرْفَعُ العَلَمُ”
في هذا الختام، تتعانق الروح والمادة، المعنى والراية. الريشة تكتب ما يستحق أن يُعاش، والسنان يحمي ما يستحق أن يبقى.
إن هذه الأبيات، رغم قصرها، تشبه البرق الذي يلمع في سماء معتمة، مذكّرًا بأن النور لا يعيش بلا حارس. هي دعوة لأن نكفّ عن فصل الفكر عن القوة، وأن ندرك أن القلم بلا حارس مجرد قصب مغموس في الحبر، وأن السيف بلا فكر مجرد قطعة حديد صدئة.
“عُهُودُ الأسِنَّةِ” ليست قصيدة فحسب، بل وصيّة أمة تعرف أن حبرها لا يصمد إلا إذا ارتكز على سيف العدالة، وأن سيفها لا يشهر إلا دفاعًا عن حبر الحرية.
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟