رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 14:53
المحور:
الادب والفن
في زمنٍ صار فيه الحلم هدفًا للرماة، وغياب الضمير هو القاعدة، تأتي “الصياد والنهر” لمصطفى عبد الفتاح كصرخة مكتوبة بالدمع والبارود، تحمل على أكتافها فتىً وعصفورًا ووطنًا بأكمله. ليست القصة سردًا لحدث، بل مرثية لحلمٍ قُتل في اللحظة ذاتها التي أُطلق فيها إلى الحرية، ومرآة تعكس وجه أمة تُطاردها الرصاصة حتى في جناح الطير.
في “الصياد والنهر” لا نقرأ حكايةً فحسب، بل ندخل إلى نهرٍ من الدمع والرماد، نغمس وجوهنا في مياهه الثقيلة، ونرى الوطن يتقوس على هيئة طفل يحمل فخًا بيد، وأملًا بالتحليق في اليد الأخرى. مصطفى عبد الفتاح لا يكتب هنا نصًا قصصيًا عابرًا؛ بل يفتح بابًا على جرح مفتوح، جرحٍ يفيض من بين السطور، كالنهر الذي لا يعرف سوى مجرى واحد… نحو الحزن.
الفتى الذي صاد العصفور لم يكن يبحث عن وجبة، بل عن معنى للبقاء، عن طريقة يملأ بها فراغ البيت الموحش بعد أن غاب الأب في زمنٍ يأكل فيه الغياب كل شيء. كان يحلم أن يعود إلى أمه بما يسد رمقها، لكنه، في اللحظة نفسها، رأى في العصفور مرآة لروحه، فانكسر في داخله ميزان الحاجة، وانتصر جناح الحرية على جوع البطون.
لكن هناك صياد آخر… صياد لا يلتقط الطيور، بل يلتقط الأنفاس. من وراء متاريس فولاذية، عينه على الحلم، إصبعه على الزناد، ينتظر اللحظة التي يطلق فيها الفتى سراح العصفور، ليطلق هو رصاصته القاتلة. لحظة واحدة جمعت بين فعلين متناقضين: تحرير الجناح، وقتل القلب.
النهر في النص ليس ماءً، بل دموعًا تتساقط من وجنتي الفتى حتى تتحجر في بحيرة زجاجية تعكس صورة الوطن. على صفحة ذلك الزجاج، يرفرف علم بألوانه الأربعة، يغطي وجه طفل حاول أن ينتصر على الموت بالحياة، فإذا بالحياة هي التي تنسحب منه بهدوء موجع.
لغة مصطفى عبد الفتاح ليست مجرد أداة سرد، بل جسر من الصور والعطور والأصوات، حيث يمتزج البارود برائحة الشواء، وتصير الشاشة السوداء مرآة للخراب، ويصبح القلم عاجزًا عن مجاراة فداحة المشهد. إن النص يتنفس ببطء، كجسد جريح، ويقذف بالقارئ خارج منطقة الراحة إلى قلب السؤال: ما معنى الكتابة حين تصبح كل الألوان لون الموت؟
“الصياد والنهر” ليست قصة عن طفل وعصفور فحسب، بل عن أمة بأكملها تحاول أن تطلق جناحها من قبضة القهر، فإذا برصاصة الغياب تخترق حلمها. نص يظل عالقًا في الذاكرة، لا كقراءة عابرة، بل كجرسٍ يدقّ في القلب كلما مرّ طائر مهاجر فوق سماء مثقلة بالدخان
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟