رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8443 - 2025 / 8 / 23 - 12:06
المحور:
الادب والفن
ظنّ كثيرون أنّ النسيان دواء، وأنّ العقل قادر على إغلاق دفاتر الماضي كما يُغلق كتابًا قديمًا على رفّ بعيد. غير أنّ علم النفس والتجربة الإنسانية معًا يبرهنان أنّ هنالك ذاكرة أخرى لا تخضع لقوانين العقل، ولا تُمحى بمضيّ السنوات. ذاكرة تظلّ مشتعلة في زوايا القلب، تستيقظ عند رائحة عابرة أو لحن قديم أو نظرة عابرة في مرآة. إنها الذاكرة العاطفية، أو كما يسمّيها الشعراء: “ذاكرة القلب”.
رأى سيغموند فرويد أنّ الانفعالات هي المفتاح الأعمق لفهم التجربة الإنسانية، وأنّ ما لا يُعاش بصدق يذوب في هوامش اللاوعي. من بعده جاء أنطونيو داماسيو ليؤكد أنّ القرارات المصيرية لا تُبنى على العقلانية وحدها، بل على بصمة وجدانية مطبوعة في الروح. أما بول إيكمان، فقد بيّن أنّ لحظة واحدة من دمعة أو ارتجافة ابتسامة، تكفي لتترك أثرًا خالدًا، يحيا فينا حتى بعد أن تمحو الذاكرة تفاصيل الوجوه والأسماء.
تجليات هذه الذاكرة تحاصرنا في كل يوم. امرأة مسنّة في السبعين تبكي حين يشدّها عطر الياسمين إلى شرفة طفولتها. شاب يسمع مقطعًا موسيقيًا فيرتجف قلبه كأن حبيبته الراحلة جلست بجانبه من جديد. قد نتوه في التفاصيل، لكن الإحساس يبقى طازجًا، عنيدًا، كأن الزمن لم يتحرك خطوة واحدة.
هكذا تصبح الذاكرة العاطفية سلاحًا ذا حدّين: عبئًا حين تربطنا بجراح لم تلتئم، ونعمة حين تمنح لحياتنا طعمًا لا يبهت. هي الدليل على أنّنا لم نكن مجرّد عابرين، بل عشّاقًا للحظة، حَمَلةً لجرحٍ ومعنى.
✦ خاتمة ✦
إنّ الذاكرة العاطفية ليست تفصيلًا نفسيًا فحسب، بل هي جوهر إنسانيتنا. بها نتذكّر أنّنا كائنات من لحمٍ ودمٍ ودموع، وأنّ حياتنا لا تُقاس بكمّ ما أنجزنا، بل بعمق ما أحببنا، وما أبكانا، وما هزّنا حدّ الارتعاش. وما دام القلب قادرًا على التذكّر، فإنّ الإنسان يظلّ حيًّا حتى وإن خانته ذاكرة العقل.
فالعقل قد يشيخ ويُساوم ويُنسي،
أما القلب… فهو الجسر إلى الخلود
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟