أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الشيطان يضحك














المزيد.....

الشيطان يضحك


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8448 - 2025 / 8 / 28 - 12:03
المحور: الادب والفن
    


منذ طفولتها، كانت ليلى غريبة عن محيطها. طفلة كثيرة الأسئلة، قليلة الضحك. في بيتها الصغير في أطراف المدينة، اعتادت أن تنام بجانب نافذة تتسرب منها الرياح والبرد. لم يكن أحد يلتفت إلى خوفها من الليل، إذ كان الكبار مشغولين بأثقالهم. تعلمت أن تكتم بكاءها، أن تبتسم حين يطلبون منها، وأن تقول "أنا بخير" حتى حين كانت روحها تنزف.
كانت تظن أن الوحدة مجرد قدر. لكنها لم تدرك أنها كانت تصنع في داخلها "ظلًا" ينمو بصمت. ظلٌّ يراقبها، يسجّل كل خوف وكل كذبة وكل خيانة صغيرة للنفس.
حين كبرت، صار جسدها حاضرًا في العالم، لكن روحها تائهة. درست، عملت، أحبّت، وخسرت. تعلّمت أن تُرضي الجميع إلا نفسها. وبين كل خسارة وأخرى، كان هناك صوت صغير يضحك في داخلها. لم تهتم به في البداية، لكنه مع الزمن صار أكثر وضوحًا.
ضحكة لم تكن بريئة، بل ساخرة، كأنها تقول: "ألم أقل لكِ؟ لا جدوى من محاولاتك."
كانت تسمعها وهي تقف أمام المرآة قبل مقابلة عمل فاشلة، أو حين تعود من لقاء حبٍّ انتهى بخيبة. حتى حين كانت تقرأ كتبًا عن التنمية البشرية والإيجابية، كانت تسمع الضحكة تزداد سخرية.
في إحدى الليالي، بعد يوم طويل من الخيبات، جلست ليلى أمام مرآتها الكبيرة. لم تعد تقوى على الهروب. أرادت أن تواجه ذلك الصوت. أطفأت كل الأنوار، وتركت شمعة واحدة تضيء الغرفة.
حدّقت في عينيها طويلًا، حتى شعرت بأن الزجاج يتحرك. فجأة، خرجت الضحكة من أعماق المرآة، مدوّية، لم تعد مجرد صدى بل كيانًا كاملًا.
قال لها الصوت:
"ألا تعرفين من أنا؟ أنا كل ما دفنتِه.
أنا تلك الطفلة التي لم يُسمع بكاؤها.
أنا الصبية التي كذبت لتنال رضاهم.
أنا المرأة التي تنازلت عن حقيقتها لتنال حبًّا زائفًا.
أنا الشيطان الذي لم يأتِ من الخارج… بل وُلد في داخلك."
انعكاسها في المرآة تغيّر: وجهها صار مشوّهًا، مشبعًا بالخطوط السوداء، يبتسم بسخرية. حاولت أن تصرخ، لكن صوتها خانها.
في اللحظة التالية، انطفأت الشمعة. ساد ظلام كثيف. شعرت بأن شيئًا يسحبها إلى داخل المرآة، حيث الضحكة تتكرر بلا توقف.
حين دخل أهلها في الصباح، وجدوا الغرفة باردة، والمرآة مشققة، خالية من أي انعكاس. ليلى لم تكن هناك.
ومنذ ذلك اليوم، كل من اقترب من تلك المرآة سمع الضحكة نفسها. البعض يقول إنها ضحكة شيطان، والبعض يقول إنها ضحكة ليلى ذاتها.
لكن الحقيقة الأعمق: الشيطان لم يخرج من المرآة قط، لأنه يسكن فينا جميعًا… نحن من نضحكه كلما خنّا ذواتنا.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هلوسة الجنة
- هلوسة النار
- المتجددين
- حين يعلو الصوت وتخفت الروح
- الصلاة الغامضة
- عامر عودة وتجديد أفق القصة الفلسطينية: قراءة نقدية في «بداية ...
- دراسة تحليلية أكاديمية في كتاب -إبليس في التحليل النفسي- لسي ...
- أمي، هل تخبرينا عن الحياة في السماء؟
- دمعة وابتسامة… سرّ إنسانيتنا
- الأصدقاء… صدى الغياب
- الذاكرة العاطفية… حين يتذكّر القلب ما ينساه العقل بين فرويد ...
- مرايا الروح والجروح
- خيبات
- قراءة ادبية في نص الشاعرة رانية مرجية ألوان الروح القدس ، بق ...
- قراءة أدبية في قصة ” حين مات الإنسان … وأوفى الكلب : وصمة عا ...
- لا يموتون… بل ينبتون
- يا أبيضّ يا أسود
- هل يموتُ الموتُ يومًا؟
- ورقة بيضاء
- “غزة… أسطورة الشهداء التي لا تنطفئ”


المزيد.....




- يسرا في مراكش.. وحديث عن تجربة فنية ناهزت 5 عقود
- هكذا أطلّت الممثلات العالميات في المهرجان الدولي للفيلم بمرا ...
- أول متحف عربي مكرّس لتخليد إرث الفنان مقبول فدا حسين
- المسرحيون يعلنون القطيعة: عصيان مفتوح في وجه دولة خانت ثقافت ...
- فيلم -أحلام قطار-.. صوت الصمت في مواجهة الزمن
- مهرجان مراكش: الممثلة جودي فوستر تعتبر السينما العربية غائبة ...
- مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة يصدر دليل المخرجات السينمائي ...
- مهرجان فجر السينمائي:لقاءالإبداع العالمي على أرض إيران
- المغربية ليلى العلمي.. -أميركية أخرى- تمزج الإنجليزية بالعرب ...
- ثقافة المقاومة: كيف نبني روح الصمود في مواجهة التحديات؟


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الشيطان يضحك