أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - المتجددين














المزيد.....

المتجددين


رانية مرجية
كاتبة صحفية وموجه مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 11:50
المحور: الادب والفن
    


في قلب مدينة تتكئ على كتف التاريخ، حيث الأزقة ضيقة كذاكرة عجوز، وحجارة البيوت تحفظ أصوات الذين مرّوا ورحلوا، كان هناك مقعد حجري عتيق، منسيّ المظهر، لكنه مشهور بين أهل الحي باسم "مقعد المتجددين".

لم يكن المقعد مجرد حجر محفور على شكل مقعد، بل كان أشبه بكائن حيّ يتنفس حكايات الجالسين عليه. كل من جلس فوقه شعر بأن الأرض تحت قدميه ليست الأرض نفسها، وأن الزمن يتثاءب ببطء، وكأنما يفسح له طريقًا نحو حياة أخرى، حياة لم يعشها لكنه كان قادرًا على لمسها.

عجوز فقد أولاده في الحروب جلس عليه ذات صباح، وحين أغلق عينيه أخذ يروي قصة عن حفل ميلاد ضخم في بيتٍ يفيض بالضحكات. امرأة أمضت عمرها بين غسل الثياب وجدران المطبخ جلست عليه، لتبدأ بسرد رحلاتها في مدن الثلج، تتحدث عن أنهار متجمدة ورقص في ساحات مفتوحة، وكأنها عاشت هناك عمرًا كاملاً. شاب لم يخرج يومًا من حارته جلس بدوره، وراح يصف طرقات مدن بعيدة بلهجة العارف، يذكر أسماء أنهار وحدائق لم يسمع بها أحد من قبل.

كان الحاضرون يبتسمون، يظنونها مبالغات أو خيالات، لكن المقعد كان يعرف الحقيقة: تلك ليست قصصًا مبتكرة، بل حيوات موازية تسكن أرواحهم، يطلقها المقعد لوهلة كي يتجددوا، ثم يعيدهم إلى يومهم العادي، وقد خفّ حملهم.

ومع مرور الأعوام، صار المقعد رمزًا خفيًا لمقاومة الفناء، وكأن الجلوس عليه إعلان ضمني أن الروح أوسع من جسدها، وأن العمر ليس خطًا واحدًا بل ألوان متشابكة. حتى جاء يوم قرر فيه موظف البلدية إزالته بحجة "التطوير الحضري".

لكن حين جاء العمال، وجدوا أهل المدينة مصطفّين حوله كالسور، يلمسون حجارته كما لو كانوا يحتمون بحرارة قلب، ويرفضون استبداله بمقاعد معدنية باردة. قال أحدهم بصوت حاسم:
"يمكننا أن نعيش بلا حديقة، بلا نافورة، لكن لا يمكننا أن نعيش بلا مكان يمنحنا حياة ثانية."

ظل المقعد في مكانه، لا يشيخ إلا قليلًا، كأنه يتجدد مع كل حكاية، ومع كل روح تجلس فوقه وتغمض عينيها. ومنذ ذلك الحين، صار الغرباء إذا زاروا المدينة يبحثون عن "مقعد المتجددين"، علّهم يكتشفون أن للحياة أبوابًا أخرى… لا تُفتح إلا بالحلم، وأن بعض الجراح لا تُشفى إلا بأن نحيا مرة أخرى، ولو في الخيال.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يعلو الصوت وتخفت الروح
- الصلاة الغامضة
- عامر عودة وتجديد أفق القصة الفلسطينية: قراءة نقدية في «بداية ...
- دراسة تحليلية أكاديمية في كتاب -إبليس في التحليل النفسي- لسي ...
- أمي، هل تخبرينا عن الحياة في السماء؟
- دمعة وابتسامة… سرّ إنسانيتنا
- الأصدقاء… صدى الغياب
- الذاكرة العاطفية… حين يتذكّر القلب ما ينساه العقل بين فرويد ...
- مرايا الروح والجروح
- خيبات
- قراءة ادبية في نص الشاعرة رانية مرجية ألوان الروح القدس ، بق ...
- قراءة أدبية في قصة ” حين مات الإنسان … وأوفى الكلب : وصمة عا ...
- لا يموتون… بل ينبتون
- يا أبيضّ يا أسود
- هل يموتُ الموتُ يومًا؟
- ورقة بيضاء
- “غزة… أسطورة الشهداء التي لا تنطفئ”
- مقدمة لكتابي جدلية الروح والكلمة.
- شمس المعارف: بين وهج الروح وخطر السحر
- حين يختبئ الحلم خلف جناح عصفور


المزيد.....




- لازلو كراسناهوركاي.. الكاتب الذي عبر من الأدب إلى السينما وص ...
- صورة المعلم في الرواية العربية: دراسة نقدية منهجية تطبيقية ت ...
- أسماء أطفال غزة الشهداء تقرأ في سراييفو
- الكاتب المجري لاسلو كراسناهوركاي يفوز بجائزة نوبل للأدب
- تامر حسني يعيد رموز المسرح بالذكاء الاصطناعي
- رئيس منظمة الاعلام الاسلامي: الحرب اليوم هي معركة الروايات و ...
- الدكتور حسن وجيه: قراءة العقول بين الأساطير والمخاطر الحقيقي ...
- مهرجان البحرين السينمائي يكرم منى واصف تقديرا لمسيرتها الفني ...
- مهرجان البحرين السينمائي يكرم منى واصف تقديرا لمسيرتها الفني ...
- صدور كتاب تكريمي لمحمد بن عيسى -رجل الدولة وأيقونة الثقافة- ...


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - المتجددين