رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8449 - 2025 / 8 / 29 - 00:43
المحور:
الادب والفن
رفعتُ عيني نحو العلو، فوجدت السماء تنحني إليّ كأمّ عظيمة، تفتح صدرها لأطفالها. لم تكن صامتة كما تعوّدنا، بل ناطقة بلغةٍ لا تُسمع إلا بالقلب. قالت لي:
"أنا لست قبةً زرقاء، ولا مجرد فضاء، أنا كائن حيّ. في دمي تسري المجرات، وفي أنفاسي يولد النهار والليل. أنا لا أسكن فوقكم، بل أعيش فيكم، أنتم رئتاي على الأرض."
اعتراف السماء الأول: سرّ الدوران
قالت السماء: "كل ما فيّ يدور، ليس لأن الحركة قانون، بل لأن الدوران صلاة. المجرات تسجد وهي تسبح، والنجوم تركع وهي تحترق، والأرض تطوف حول الشمس كما يطوف المؤمن حول البيت. نحن لا نتوقف عن الطواف، لأن التوقف موت، والموت في السماء ليس فناء بل انطفاء نور."
اعتراف السماء الثاني: سرّ الملائكة
لم أرَ الملائكة بأجنحة، بل كخيوط ضوء تشق الظلام. قالت السماء: "الملائكة ليست فوقكم، بل تتخلل أنفاسكم. كلما غفرتم، وُلدت أجنحة جديدة لكم. كلما أحببتم، صار قلبكم نجمًا في جسدي. الملائكة ليست مخلوقات منفصلة، إنما هي أنتم حين تعتنقون النقاء."
اعتراف السماء الثالث: سرّ النجوم
أشارت إلى نجم بعيد وقالت: "هذا قلب أمّ أُحرقت بالوجع، ما زال يضيء لأطفالها في ظلام الأرض. وذاك نجمٌ آخر هو روح شهيد، لم ينطفئ بل تسلّل إليّ ليكون مشعلًا لغيره. النجوم ليست حجارة نارية، بل أرواح حيّة، كل ومضة منها قصة إنسانية تكتب في جسدي."
اعتراف السماء الرابع: سرّ الإنسان
ثم نظرت السماء في عيني وقالت: "تظنون أنكم تسكنون الأرض فقط، لكنكم تسكنونني أنا أيضًا. أنتم أحلامي الماشية على تراب، وأنا أحلامكم المتوهجة في الفضاء. حين تكرهون، يضطرب جسدي، وحين تحبّون، تنفتح مسارات النور داخلي. أنتم أنا، وأنا أنتم، نحن كائن واحد مقسوم بين الطين والنور."
الخاتمة – العودة إلى الذات
حين أغمضت عيني، شعرت أني لم أعد أنظر إلى السماء، بل إلى مرآة نفسي. وما يدور في السماء لم يكن إلا صدى ما يدور في داخلي. أدركت أن الدوران الكوني ليس إلا انعكاسًا لدوران الروح، وأننا إن توقفنا عن المحبة والغفران، تكسرت أنغام هذا الرقص الأزلي.
السماء إذن، ليست بعيدة. إنها تعيش فينا كما نعيش فيها، وتدور بنا كما ندور بها. وفي النهاية، سنعود جميعًا إلى قلبها الكبير، حيث لا موت، بل عودة إلى النور.
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟