سيكولوجيا الأحلام: حين يتكلّم اللاوعي بلغة الرموز

رانية مرجية
كاتبة صحفية وموجه مجموعات
(Rania Marjieh)

الحوار المتمدن-العدد: 8449 - 2025 / 8 / 29 - 00:42
المحور: قضايا ثقافية
    

الحلمُ ليس مجرد صورةٍ عابرةٍ تزورنا في نومٍ عابر، بل هو مرآة سرية تكشف ما يختبئ خلف ستائر وعينا. إنّه المسرح الذي يتكلم فيه اللاوعي، حيث تتنكر رغباتنا وخوفنا في هيئة رموز غريبة، وأماكن مشوشة، ووجوه نصف مألوفة. في الأحلام، ينكسر الزمن، وتذوب الحدود بين الواقع والخيال، بين الماضي والآتي، بين الممكن والمستحيل.



الحلم عند فرويد: صوت الرغبة المكبوتة


سيغموند فرويد رأى في الأحلام بوابةً إلى اللاوعي، لغة رمزية تُخفي وراءها رغبات لم يُسمح لها بالخروج إلى العلن. الحلم عنده ليس بريئًا؛ إنّه قناعٌ للرغبة، ومتنكّرٌ في أزياء الصور. من خلاله نسمع ما لم نجرؤ على قوله في يقظتنا.



الحلم عند يونغ: حوار الروح مع ذاتها


أما كارل يونغ فقد تجاوز فرويد، ورأى في الحلم رسالةً من الروح إلى ذاتها. اعتبر أن الحلم ليس مجرد تفريغٍ للرغبات، بل هو خريطة داخلية تقودنا لفهم أنفسنا. رموزه ليست شخصية فقط، بل كونية أيضًا، تحمل آثار الأساطير والرموز الجماعية التي تشترك بها البشرية.



الأحلام كعلاج داخلي


علم النفس الحديث ينظر إلى الأحلام كآلية يعالج بها الدماغ ذاته. في أثناء النوم، يُعيد العقل ترتيب الذكريات، ويُجري محاكمات صامتة للتجارب التي مررنا بها. لذلك كثيرًا ما نستيقظ بعد حلم مضطرب ونحن نشعر بشيء من الراحة أو التسوية الداخلية.



الغرابة التي تكشف الحقيقة


أغرب ما في الأحلام أنها لا تلتزم بالمنطق الذي يفرضه الواقع، ومع ذلك تكشف حقيقة أعمق. قد ترى في حلمك بيت طفولتك وقد صار أطلالًا، أو بحرًا بلا شاطئ، أو وجهًا يتبدل بوجوه. كل هذه الصور ليست عبثًا، بل إشارات من الداخل، رسائل من مناطق لم نجرؤ على الاقتراب منها ونحن مستيقظون.



الأحلام في الأدب والشعر العربي


الأدباء والشعراء العرب جعلوا من الحلم مادة لإعادة صياغة العالم:

محمود درويش جعل من الحلم أرضًا موازية للوطن الضائع، يقول في أحد نصوصه إن الحلم هو الملاذ الأخير للفلسطيني كي يسكن أرضه بلا جواز سفر.

نزار قباني رأى في الحلم مساحة للحرية والجنون العاطفي، حيث العاشق يستطيع أن يستعيد حبيبته في المنام ولو خسرها في اليقظة.

أدونيس تعامل مع الحلم كطقس أسطوري، نافذة تكشف جوهر الوجود وتفتح على لغة ما قبل اللغة. في نصوصه، الحلم ليس هروبًا من الواقع، بل إعادة تشكيله بروح شعرية.



وهكذا يصبح الحلم، في الشعر كما في علم النفس، جسرًا بين ما نعيشه وما نتوق إليه، بين القيد والحرية، بين الغياب والحضور.



خاتمة


الأحلام ليست أوهامًا عابرة، بل كتابٌ خفيّ نكتبه كل ليلة بلغة لا نعرفها تمامًا. وحين نستيقظ، يبقى السؤال معلّقًا: هل نحن الذين نحلم، أم أن أرواحنا هي التي تحلم بنا؟

#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل