أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - سماء حديدية














المزيد.....

سماء حديدية


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 18:41
المحور: الادب والفن
    


منذ ولادتي، كنت أرفع رأسي كل مساء نحو السماء...
أسألها، أعاتبها، أرجوها أن ترسل لي حلمًا صغيرًا، نجمة، طائرًا، أو حتى دمعة من مطر.
لكن السماء في حارتي لم تكن كالتي كنت أرسمها في مخيلتي الصغيرة.
كانت ثقيلة... بل حديدية.

كل شيء فيها مغلق، مُحكم، محروس بكاميرات ومجسات وأسلاك.
حتى الغيم، إن مرّ، بدا كأنه ضيف غير مرحب به.
وكان القمر... مقطوعًا من سياقه، كأن أحدهم صلبه هناك ليكون تذكارًا أبديًا للخذلان.

في تلك المدينة الرمادية التي وُلدتُ فيها، كانت الروح تقف في طابور طويل قبل أن تُمنح تصريحًا بالحلم.
وكان من يُفكر كثيرًا، أو يُحب بصوت مرتفع، يُجبر على لبس خوذة حديدية...
حتى لا تصطدم أفكاره بأسقف لا تُرى... لكنها تنكسر عندها كل النوايا النقية.

أذكر أني كنت أكتب في الليل، أكتب كمن يحفر بأظافره في جدار زنزانة.
كنت أكتب لأتأكد أني ما زلت أتنفس، أني لست مجرد رقم في سجل مدينة تُغلق حتى على الغيم.
وكلما اشتدت عليّ الوحدة، كنت أضع يدي على صدري وأهمس:
"لا تنسي أنكِ بنت الأرض، بنت الحنين، بنت من مشت على ترابٍ حي، وليس على بلاطٍ بارد."

لكن السماء لم تكن تُصغي.
كانت تمطر قنابل، وتُرسل صواريخ بأرقام تسلسلية بدلًا من النجوم.
كانت تكتب تاريخها بلغة لا يفهمها العشّاق، بل يقرأها الجنرالات من خلف نظارات سوداء.

وسألت نفسي مرارًا:
هل نحن من جعل السماء حديدية؟
هل صرنا نخاف الحريّة لدرجة أننا علقنا قضبانها فوق رؤوسنا، كي لا نرتكب جريمة الطيران؟

وفي يومٍ بلا تاريخ، خرجتُ إلى السطح، ورفعتُ وجهي للسماء.
لم أتكلم، لم أرجُ شيئًا.
اكتفيت بالبكاء.

وللمرة الأولى... شعرتُ أن السماء الحديدية قد ارتجفت.
ربما تذكرت أنها كانت يومًا حنونة.
ربما اشتاقت لصوت أذانٍ يُصلي تحتها دون رُعب.
ربما رأت في دموعي شيئًا من جدتي، حين كانت تقول: "الله فوق، والحق لا يموت".

منذ ذلك اليوم، صرت أكتب أكثر.
لا لأغير السماء، بل لأزرع حديقة في صدري،
كي إن ضاقت الدنيا، وجفّت الأرض،
أكون لي سماءً أخرى… سماءً من نور
لا تُقصف، ولا تُخترق،
سماءً لا تُعطي تصاريح،
ولا تُحاكم مَن يُحب.

ومن بين الحديد والغيوم المكسورة
همستُ:
"يا واسع الرحمة، إن كانت سماؤهم من حديد،
فاجعل قلبي سماءً لك،
وارزقني يقينًا لا يتصدّأ،
ونورًا لا يُقصف،
وسلامًا لا يُشترى ولا يُباع."

كنت أعلم أن الله لا يسكن السماء فقط،
بل يسكن في الرجفة التي تصيبنا حين نحب،
وفي الدمعة التي تهبط دون إذن،
وفي الكلمة التي تكتبنا قبل أن نكتبها.

وحين أغمضت عيني تلك الليلة،
رأيتُ سماءً أخرى…
ليست حديدية،
ولا مرصودة،
بل سماء من محبةٍ ومغفرةٍ ويقين،
سماء يُصلّي فيها القلب،
قبل أن تهمس بها الشفاه.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انفصام – قصة رمزية فلسفية
- الدروز بين “حلف الدم” و”حلف الحياة”: قراءة في نص سعيد نفاع
- خوة وأكثر إلى إخوتنا الدروز في فلسطين والجولان… أنتم الهوية ...
- الأديبة السورية بسمة الصباح يا جبل ما يهزك ريح
- فقدتُ طلقة واحدة
- ما يدور في السماء: اعترافات الكائن الأزلي
- سيكولوجيا الأحلام: حين يتكلّم اللاوعي بلغة الرموز
- رام الله ، … مدينة القلب والذاكرة
- الشيطان يضحك
- هلوسة الجنة
- هلوسة النار
- المتجددين
- حين يعلو الصوت وتخفت الروح
- الصلاة الغامضة
- عامر عودة وتجديد أفق القصة الفلسطينية: قراءة نقدية في «بداية ...
- دراسة تحليلية أكاديمية في كتاب -إبليس في التحليل النفسي- لسي ...
- أمي، هل تخبرينا عن الحياة في السماء؟
- دمعة وابتسامة… سرّ إنسانيتنا
- الأصدقاء… صدى الغياب
- الذاكرة العاطفية… حين يتذكّر القلب ما ينساه العقل بين فرويد ...


المزيد.....




- شعوذة.. طموح.. حب.. موسيقى وإثارة.. 9 أفلام تعرض في سبتمبر
- قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي
- كيف أصبح مشروب شوكولاتة للأطفال رمزا للاستعمار الفرنسي؟
- المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل ...
- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية
- فيلم -ساحر الكرملين-.. الممثل البريطاني جود تدرّب على رياضة ...
- إبراهيم زولي يقدّم -ما وراء الأغلفة-: ثلاثون عملاً خالداً يع ...
- النسخة الروسية من رواية -الشوك والقرنفل- تصف السنوار بـ-جنرا ...
- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - سماء حديدية