رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 11:10
المحور:
قضايا ثقافية
لسنا أبناء فراغ، ولا عابري سبيلٍ في صحراء بلا أثر. نحن ورثة تاريخ مزدوج: تاريخٌ ينهض على الموروث الديني بما يحمله من نصوص مقدسة وطقوس روحية، وتاريخ آخر يتكئ على الموروث الثقافي بما يحمله من حكايات وأناشيد وأزياء وأمثال وصور متجذرة في الأرض.
لكننا اليوم نقف على أرضٍ مشدودة بين قطبين. فالموروث الديني، الذي كان ضميرًا أخلاقيًا يوجّه السلوك الإنساني نحو الرحمة والعدل، أصبح في بعض السياقات أداة للتسلط أو ذريعة للتقسيم. والموروث الثقافي، الذي كان مرآةً للوجدان الشعبي، بات يُختزل أحيانًا في مهرجانات سياحية وصور فولكلورية بلا روح، أو يُستهلك كسلعة في أسواق العولمة.
جيلنا يعيش هذا التوتر. بعضنا يحتمي بالموروث الديني وحده، خشية الذوبان في الحداثة. وبعضنا الآخر يتكئ على الموروث الثقافي، بحثًا عن أرضية مشتركة تلمّ الشمل بعيدًا عن انقسامات العقائد. لكن ثمة من يحاول أن يزاوج بين الاثنين: أن يستلهم من الدين قيم المحبة والعدل، ومن الثقافة جمال الفنون والتنوع، ليصنع هوية مركبة لا تقصي أحدًا.
التحدي اليوم ليس أن نختار بين السماء والأرض، بل أن نصنع جسرًا بينهما. أن نعيد إلى الموروث الديني صفاءه الروحي، بعيدًا عن التسييس والتشدد، وأن نعيد إلى الموروث الثقافي روحه الحية، بعيدًا عن التسليع والسطحية. فحينها فقط نستطيع أن نقول للعالم: نحن أبناء ذاكرة طويلة، نحمل في قلوبنا روح السماء، وفي عيوننا ألوان الأرض.
نقف اليوم أمام مسؤولية: إما أن ندع الانقسام يمزّقنا بين دينٍ متخشب وثقافةٍ مستهلكة، أو أن نصوغ منهما معًا هوية رحبة، إنسانية، قادرة على أن تحلم بمستقبل لا يُقصي أيًّا من ألواننا، بل يحتضنها كلوحة فسيفسائية حيّة، تتلألأ بالنور وتتنفس بالحياة.
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟