رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 12:29
المحور:
الادب والفن
أدخل المقبرة عند الغروب، كأنني أدخل بيتًا قديمًا يعرفني أكثر مما أعرف نفسي.
الأحجار تنتصب كجنود صامتين، والريح تمسح عليها برفق، كأنها أصابع أمّ تُسكت أبناءها النائمين.
لكن النوم هنا لم يكن نومًا.
كان همسًا.
من تحت التراب بدأت الأصوات تصعد.
ليست أصوات بكاء ولا صراخ… بل أصوات حديثٍ عاديّ.
واحد يسأل عن يومه الأخير، وآخر يتذمّر من ضيق القبر، وثالث يغنّي أغنية قديمة كنتُ أسمعها في طفولتي.
أقترب من شاهد قبر أعرفه.
أقرأ الاسم… فإذا بصاحبه يرفع رأسه قليلاً من التراب ويقول:
ـ “أخيرًا جئتِ! تأخرتِ كثيرًا يا ابنتي.”
أرتجف.
إنه صوت قريبٍ رحل منذ سنوات، لكن دفئه ما زال كما هو.
أمشي بينهم.
كل قبرٍ يفتح نافذة صغيرة، كل وجه يطلّ لحظة ويختفي.
أمي تمد يدها من ترابها البني، تنثر عليّ رائحة قهوة الصباح.
أبي يضحك ويقول:
ـ “الموت أهون مما كنتِ تظنين، نحن فقط نسكن مكانًا بلا نوافذ.”
أجلس بينهم، أستمع، أبكي، وأضحك أحيانًا.
لكن فجأة يخيّم الصمت.
جميعهم يلتفتون إليّ في آن واحد، بأعينٍ فارغة لكن حادة، ويسألون بصوت واحد:
ـ “هل ستبقين معنا… أم ستعودين؟”
أشعر أن الأرض تفتح ذراعيها لتبتلعني.
وأدرك أنني لم أكن زائرة للمقبرة…
بل كنتُ ميتةً جاءت لتزور نفسها.
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟