رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 00:47
المحور:
الادب والفن
وُلد آدم في مدينةٍ يلتقي فيها الأذان مع الأجراس، وتتعانق فيها الحجارة القديمة مع ظلال الزيتون. كان صوته غائبًا، لكنّ صمته كان أوسع من كلّ اللغات. لم يكن ينظر إلى الوجوه، بل إلى الضوء حين ينكسر على الجدار كأنّه سرٌّ من أسرار الوجود.
كانت أمّه ليلى تحمله بين ذراعيها وتقول: "ابني لا يتكلّم." ثم تكتشف أنّه يتحدّث مع الأشياء: يلمس الزجاج، فيبتسم؛ يراقب المروحة، فيضحك فجأة، كأنّ الكون يبوح له بأسراره.
قال الطبيب: "إنّه يعيش في عالمه الخاص."
لكنّ ليلى سألت نفسها: ومن منّا لا يعيش في عالَمٍ خاص؟
الأب تاه بين العار والحبّ، بين نظرات الجيران ونداء قلبه. لكنه حين لامس ابنه كتفه الصغير، أدرك أنّ الأبوة ليست ما يقوله الناس، بل ما يصنعه القلب في اللحظة التي يختار فيها أن يظلّ حاضرًا.
وفي أمسيةٍ عادية، جلست سارة أمام البيانو. لم تكن تعزف لتُدهش، بل لتتنفّس. اقترب آدم، وجلس يرسم. بين النغم واللون، نشأت لغة جديدة. لم يفهمها الحاضرون، لكنّ أمّهاتهم ابتسمْنَ: الأطفال وجدوا طريقهم.
من هنا وُلد بيت الضوء: غرفةٌ صغيرة تحوّلت إلى وطن.
في الخارج، كانوا يقولون: "جمعوا المجانين بمكان واحد."
أما في الداخل، فقد كان الأطفال يعلّموننا درسًا أبديًا: أن الصمت موسيقى، وأن العزلة جسر، وأن الاختلاف طريق آخر للجمال.
في الأمسية الأولى للبيت، عُلّقت لوحات آدم: دوائر تفتح أبوابًا نحو سماءٍ مجهولة. عزفت سارة مقطوعتها: أجنحة في الصمت.
حين انتهت، وقف الناس وصفّقوا، كأنّهم صفقوا لقلوبهم هم.
في تلك اللحظة، رفعت سارة رأسها نحو العالم، وأضاءت عينا آدم كنافذتين مفتوحتين على الغد.
لم يكن ذلك نجاحًا صغيرًا، بل اعترافًا كبيرًا: أن الاختلاف ليس جدارًا، بل نافذة، وأن الحبّ حين يجد صدى لصمته، لا يحتاج إلى تفسير.
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟