أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الكتابة كقدرٍ يبتلع صاحبه: قراءة في نص “بسمة الصباح”














المزيد.....

الكتابة كقدرٍ يبتلع صاحبه: قراءة في نص “بسمة الصباح”


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 03:08
المحور: الادب والفن
    


مدخل: حين تتحول الكتابة إلى مصير

في نصها “بسمة الصباح”، لا تقدّم الكاتبة مجرّد مشاهد داخلية عن فعل الكتابة، بل تنسج تجربة وجودية كاملة تُحوِّل الكتابة إلى مصير لا مهرب منه. النص يتجاوز حدود النثر الأدبي ليصبح أشبه ببيان فلسفي يلامس أسئلة الهوية، الغياب، والقدرة الساحرة للغة على إعادة تشكيل الكائن. نحن لا نقرأ نصًا عن الكتابة فحسب، بل نقرأ كتابة تكتب نفسها، وتكتب كاتبتها، وتحوّلها إلى مرآةٍ لحروف لم تولد بعد.

١. سلطة النص وانقلاب الأدوار

منذ البداية، يضعنا النص أمام مفارقة جوهرية: الكاتبة لا تكتب، بل تُكتب. الورق “يكتبها”، القلم “يمسك بها”، والأفكار تتحرك كظلال مستقلة. هنا تتحقق لحظة انقلاب في العلاقة الكلاسيكية بين الكاتب والنص؛ فالكاتب لم يعد سيد المعنى بل أسيره. هذه الفكرة تحيلنا إلى سؤال عميق: هل النصوص التي نكتبها هي انعكاسنا، أم نحن انعكاسها؟
إننا بإزاء نص يذكّرنا بفكرة “موت المؤلف” عند رولان بارت، حيث لا يملك الكاتب الكلمة الأخيرة، بل تظل النصوص أكبر من إرادته. الكاتبة هنا ليست سوى أداة تكتبها اللغة نفسها.

٢. المرآة كفضاء للتشظي والهوية

لمرآة في النص ليست مجرد عنصر سردي عابر، بل أيقونة وجودية تحمل وظيفة مزدوجة:

أولًا، هي وسيلة لكشف التشظي الداخلي، حيث الوجه الواحد يتفتت إلى طبقات متراكبة، كل منها يمحو الأخرى.

ثانيًا، هي استعارة لاغتراب الذات في حضرة الكتابة، حيث لا يبقى للكاتب “أنا” ثابتة، بل سلسلة انعكاسات لا نهائية تبحث عن تعريف مستحيل.

بهذا المعنى، تتحول المرآة إلى نصٍ موازٍ يلتهم الكاتبة، ويعيد إنتاجها بلا استقرار. والنتيجة: هوية متحركة، مُزاحة، تتشكل وتُمحى مع كل كلمة.

٣. الكتابة كجسد جديد

أجمل ما في النص أنّه لا يكتفي بالصور المجازية، بل يعيد تشكيل الجسد نفسه كجسد كتابي. الحبر دم، الصفحة روح، الفراغ جلد. هذه الصور الثلاث تُشيِّد ميتافيزيقا كاملة للإنسان الكاتب: إنسان لا يتحدد بجسده العضوي، بل بجسد لغوي يذوب فيه الزمن ويُلغى فيه الموت.
بهذا التصوير، يتحقق اتحاد مطلق بين الكائن والنص: لم يعد هناك فرق بين من يكتب وما يُكتب، بين الدم والحبر، بين الصفحة والروح.

٤. الإيقاع الداخلي وبنية النص

النص مكتوب بلغة نثرية مفتوحة، لكنه يشتغل على الإيقاع كما يفعل الشعر. تكرار الصور (الظلال، المرآة، الورق، الحبر)، التدفق الطويل للجمل، والانفجارات الدلالية كلها تصنع موسيقى داخلية تُضاعف أثر النص.

كما أن النص يتعمد كسر التوقعات: فكل محاولة للإمساك بالمعنى (كالإمساك بالكتاب أو بالكلمة) تنتهي إلى فراغ أو وهم. هذه التقنية تجعل النص أكثر قربًا من التجربة الوجودية: المعنى دائمًا ينفلت، والقبض عليه وهم مستحيل.

٥. المعنى الفلسفي: من الصمت إلى الولادة المستمرة

في جوهره، يطرح النص سؤال الوجود: كيف نعرّف أنفسنا ونحن نذوب في اللغة؟

الصمت في النص ليس غيابًا، بل طاقة متفجرة تلتف حول القلب وتعيده إلى بداياته.

الولادة هنا ليست حدثًا نهائيًا، بل عملية متكررة: كل سطر يتيم يولّد كاتبة جديدة، وكل كلمة تُكتب تعيد تشكيل الهوية.

النهاية ليست موتًا، بل تحوّل دائم. الذات تصبح “مجرد نبضةٍ تبتلع نفسها وتعيد الولادة في كل صفحة”. وهذه الجملة المفتاحية تكشف أن النص ليس عن الكتابة وحدها، بل عن الحياة بوصفها نصًا أبديًا يعيد إنتاج نفسه بلا نهاية.

٦. النص بين المحلي والإنساني الكوني

رغم خصوصيته اللغوية العربية وثرائه المجازي، فإن “بسمة الصباح” نص عالمي في جوهره. فهو يطرح أسئلة إنسانية تتجاوز الثقافات: من أنا؟ هل أملك لغتي أم هي التي تملكني؟ ما معنى أن أذوب في نص لا ينتهي؟

هذا البُعد الكوني يجعل النص جديرًا بالترجمة والانتشار عالميًا، لأنه يلامس قلق الإنسان الحديث أمام هويته المتشظية وعلاقته بالكتابة كفعل وجودي.

خاتمة: النص كمرآة مفتوحة

“بسمة الصباح” نص متفرد في لغته وصوره، لكنه أكثر تفردًا في فكرته الجوهرية: أن الكتابة ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل هي مصير وجودي يعيد تشكيل الكاتب نفسه. إنها عملية ذوبان وانبعاث، حيث لا يبقى للذات إلا أن تتحول إلى نص مفتوح، يتوالد بلا بداية ولا نهاية.

إنها تجربة تذكّرنا بأن الأدب العظيم ليس ما نقوله للغة، بل ما تقوله اللغة لنا، وحين تُعيد تشكيلنا نصبح — كما في نص بسمة الصباح — مجرد “سطر يتيم” يكتب نفسه في صمت الأزمنة.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطيبة بلا عقل نار تلتهم صاحبها
- من الانطباع إلى التحليل: رحلة سامية عرموش مع السينما كأداة ل ...
- ✦ الصراع… جرح البشرية الأزلي وإمكانية الخلاص
- قراءة أدبية في قصيدة -رسائل إلى غَيْدي- بقلم الناقد والدكتور ...
- عندما أموت
- دراسة في رواية -الانفجار- – للكاتبة الفلسطينية رانية مرجية ب ...
- كلما زادت معرفتي للبشر… زاد احترامي للكلاب
- قراءة نقدية لقصة انتقام الصمت للاديبة بسمة الصباح
- إلى الأديب والصحفي العراقي كاظم حسن سعيد
- البعد النفسي والوجداني في الكتابة: دراسة تحليلية
- أتعبنا النفاق
- حكايات إنسانية
- جميل السلحوت: بين التوثيق والخيال الروائي – دراسة نقدية في ج ...
- قراءة ادبية لرواية -جسد الطوائف- ‏للكاتبة -رانية مرجية- ‏بقل ...
- في حضرة الجرح: اعترافات موجِّهة وإعلامية بين الفلسطيني والإس ...
- قراءة ادبية لرواية -جسد الطوائف- ‏للكاتبة -رانية مرجية- ‏ ‏- ...
- ‏قراءة أدبية في رواية -حبوب نفسية- للكاتبة رانية مرجية بقلم ...
- ابنة الزيتون التي جعلت من الألم قصيدة
- محمود البريكان بين العُزلة والتأمّل ، قراءة مُنمَّقة في كتاب ...
- قصة إنسان – سفر الثورة والخلود


المزيد.....




- استقالة مفاجئة لأشرف زكي من نقابة المهن التمثيلية استعدادا ل ...
- سعيد يقطين: أمريكا توجه دفة الإبادة والتطهير العرقي بدعمها ل ...
- افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن ...
- -شومان- تستعيد أمجد ناصر: أنا هنا في لغتكم
- افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن ...
- سطو -سينمائي- بكاليفورنيا.. عصابة تستخدم فؤوسا لسرقة محل مجو ...
- فيلم -ني تشا 2-.. الأسطورة الصينية تعيد تجديد نفسها بالرسوم ...
- تعاطف واسع مع غزة بمهرجان سان سباستيان السينمائي وتنديد بالح ...
- -ضع روحك على يدك وامشي-: فيلم يحكي عن حياة ومقتل الصحفية فاط ...
- رصدته الكاميرا.. سائق سيارة مسروقة يهرب من الشرطة ويقفز على ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الكتابة كقدرٍ يبتلع صاحبه: قراءة في نص “بسمة الصباح”