أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الموت الأخير














المزيد.....

الموت الأخير


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 10:26
المحور: الادب والفن
    


في بيتٍ قديم تتدلّى جدرانه من ثِقل الأسرار، جلست ليلى أمام المرآة، تنظر إلى عينيها اللتين صارتا أوسع من وحدتها. كل التجاعيد التي زحفت إلى وجهها لم تكن سوى ندوب صامتة من انتظار طويل، انتظار أبٍ غاب فجأة، تاركاً وراءه أبواباً موصدة وطفلة لم تكبر من الداخل قط.

الحي كلّه كان يعرف قصتها. يتحدثون عن والدها الذي مات شاباً، عن جنازة لم يحضرها إلا القليل، وعن طفلة وقفت حائرة تلوّح بيدها للنعش كأنها تستجديه أن يبقى. تلك الطفلة كبرت، لكن الغياب ظلّ يكبر معها.

ليلة البارحة جاءها في الحلم. لم يكن وجهه كما تتذكره: بدا أكبر، متعبًا، لكنه حيّ. قال لها بصوت غريب:

“اقتربي يا ليلى… لم يحن الموت الأخير بعد.”

استيقظت والعرق يغمرها، تحاول أن تميّز بين الحلم والوهم. لكن القدر لم يمهلها كثيرًا. مع حلول المساء، زارتها صديقتها القديمة مريم بعد غياب سنوات. بدت مريم كمن يحمل جرحاً لا يخصه، لكنها مُلزمة بكشفه.

جلستا متقابلتين، والريح تعصف بالنافذة. أخيرًا تجرّأت مريم وقالت:

“ليلى… والدك لم يمت كما قيل. لقد هرب. ترككم ومضى ليبني حياة أخرى. عاشها هناك، في مدينة بعيدة، كان زوجًا لرجلٍ آخر وأبًا لأولادٍ غيرك.”

تساقطت الكلمات في أذن ليلى كالسكاكين. لم يكن موت أبيها موتاً، بل كان موتًا مؤجلاً للحقيقة.

ارتجفت يداها وهي تحاول أن تستوعب. كل سنوات الحداد، كل الدموع، كل الحديث مع قبرٍ فارغ… كان وهمًا كبيرًا.

لكن القصة لم تنتهِ هنا. بعد أيام قليلة، جاءها طرد بالبريد. كان صندوقًا خشبيًا قديمًا يحمل اسم أبيها. فتحته بيد مرتجفة، فوجدت داخله رسائل بخط يده، كتبها لها ولم يرسلها أبدًا. في كل رسالة كان يعتذر، يبرر، يبرر أكثر، ويطلب الغفران.

قرأت رسالة بعد أخرى، حتى خارت قواها. حين وصلت إلى الرسالة الأخيرة، كانت الصدمة القاتلة:

“اعلمي يا ليلى، أنني اخترت موتي بنفسي، واخترت أن يعرفكم العالم موتى أيضًا… لأن الحقيقة أقسى من أي قبر.”

تساقطت الورقة من يدها، وفي لحظة صمتٍ مطبق، توقف قلبها.

الموت الأخير لم يكن موت والدها… كان موتها هي حين اكتشفت أنها لم تعش سوى داخل كذبة مُحكمة.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأرجح بين الزائلات والأبد قراءة وجدانية في كتاب بسمة الصبا ...
- “الأدب الصادق لا يعرف الشللية”
- قصيدتان وأغنية: شعرية الجرح والبحث عن المعنى قراءة نقدية في ...
- أنا إنسان
- راسة وقراءة أدبية الكتاب : لاهوت الحب ، رحلة القلب إلى الله ...
- حين صرخت العيون
- معركة الإنسان مع نفسه قبل أن تكون مع الآخرين
- حين تتحول المذكرات إلى مرآة إنسانية كونية قراءة في «نظرة إلى ...
- قراءة أدبية لكتاب (بين الخطوة والنجمة) للكاتبة رانية فؤاد مر ...
- الكتابة كقدرٍ يبتلع صاحبه: قراءة في نص “بسمة الصباح”
- الطيبة بلا عقل نار تلتهم صاحبها
- من الانطباع إلى التحليل: رحلة سامية عرموش مع السينما كأداة ل ...
- ✦ الصراع… جرح البشرية الأزلي وإمكانية الخلاص
- قراءة أدبية في قصيدة -رسائل إلى غَيْدي- بقلم الناقد والدكتور ...
- عندما أموت
- دراسة في رواية -الانفجار- – للكاتبة الفلسطينية رانية مرجية ب ...
- كلما زادت معرفتي للبشر… زاد احترامي للكلاب
- قراءة نقدية لقصة انتقام الصمت للاديبة بسمة الصباح
- إلى الأديب والصحفي العراقي كاظم حسن سعيد
- البعد النفسي والوجداني في الكتابة: دراسة تحليلية


المزيد.....




- لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
- مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة
- جمعية التشكيليين العراقيين تستعد لاقامة معرض للنحت العراقي ا ...
- من الدلتا إلى العالمية.. أحمد نوار يحكي بقلب فنان وروح مناضل ...
- الأدب، أداة سياسية وعنصرية في -اسرائيل-
- إصدار كتاب جديد – إيطاليا، أغسطس 2025
- قصة احتكارات وتسويق.. كيف ابتُكر خاتم الخطوبة الماسي وبِيع ح ...
- باريس تودّع كلوديا كاردينال... تكريم مهيب لنجمة السينما الإي ...
- آخر -ضارب للكتّان- يحافظ في أيرلندا على تقليد نسيجي يعود إلى ...
- آلة السانتور الموسيقية الكشميرية تتحدى خطر الاندثار


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الموت الأخير