أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الذين يبيعون الظل















المزيد.....

الذين يبيعون الظل


رانية مرجية
كاتبة صحفية وموجه مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 00:49
المحور: الادب والفن
    


الفصل الأول – القرية التي تخاف النور


لا أحد يعرف على وجه الدقة متى توقفت الشمس عن زيارة القرية.

كانت تشرق فوق الجبال، تلمسها بخيوطها، ثم تتراجع كأنها تخجل من شيءٍ تراه ولا نراه.

كان الناس يعيشون في نصف ضوء، ونصف إيمان، ونصف حياة.



في سوق القرية القديم، بين الباعة والروائح والمنافقين، كانت هناك امرأة اسمها أم ربيعة، تبيع الأعشاب، لكنها لا تبيعها للشفاء فقط، بل “للنية” كما تقول.

تُطفئ البخور وتهمس للريح:



“الذي يشرب من عشب الغياب، يغيب معه من يشاء.”


كانت الناس تخافها وتلجأ إليها في الوقت نفسه، كأنها الباب الذي يفتح للجحيم ولكنّهم يطرقونه وهم يرتجفون من البرد.



الفصل الثاني – سلمى والمرايا


سلمى، اليتيمة التي ماتت أمها وهي تلدها، لم تكن تخاف الظلام.

كانت تقف أمام النهر كل مساء، وتقول إن الماء هو المرآة الوحيدة التي لا تكذب.

لكن في ليلةٍ شتويةٍ خانقة، سمعت نداءً غريبًا، صوتًا من جهة السوق يقول:



“من أراد أن يرى مصيره، فليأتِ الليلة إلى كوخ أم ربيعة.”


ذهبت.

لم يكن في الكوخ سوى مرآة كبيرة، يغطيها الغبار كأنها نائمة منذ قرون.

قالت أم ربيعة لها:



“كل ما تخافينه يسكن هذه المرآة. لا تنظري فيها إلا إذا كنتِ مستعدة أن تري نفسك كما يراك الموت.”


ضحكت سلمى وقالت:



“الموت يعرفني، أنا ابنته.”


فتحت المرآة.

ورأت داخلها القرية تحترق، والناس يركضون بلا ظل.

ثم رأت نفسها، تضحك بعيونٍ ليست عينيها.



منذ تلك الليلة، تغيّر كل شيء.

بدأ الناس يمرضون بلا سبب، تسقط الطيور من السماء، ويُولد الأطفال وهم يبكون بصوتٍ لا يُشبه صوت البشر.



الفصل الثالث – الذين باعوا أرواحهم


ظهر في القرية رجل غريب، يُدعى عزّ الدين.

كان طويلًا كأن جسده خُلق من ظلّه.

قال للناس إنه جاء “ليُنقذهم من السحر الأسود”.

لكنّ أم ربيعة همست لسلمى:



“هذا ليس منقذًا، بل تاجر أرواحٍ جاء ليشتري ما تبقى من قلوبهم.”


كان عزّ الدين يقيم طقوسًا في منتصف الليل.

يدعو الناس ليضعوا أيديهم في وعاءٍ من الرماد، ويقسم لهم أن من يترك أثرًا أسود لن تمسه اللعنة.

لكن كل من وضع يده، فقد ظله في اليوم التالي.



صارت القرية تمتلئ بأجسادٍ بلا ظل، كأنهم أشباحٌ تائهة في النهار.

سلمى وحدها بقي لها ظلّها، لكنه كان يطول، يمتدّ حتى يغطي الجبل.



الفصل الرابع – انكشاف السر


في آخر ليلة، اجتمعت العواصف، وبدأت الأرض تنزف من تحت أقدامهم.

رأت سلمى في الحلم أمها، تقول:



“ابنتي، السحر ليس ما يفعلونه، بل ما نسمح لأنفسنا أن نؤمن به.”


استيقظت، كسرت المرآة، فانبعث منها دخانٌ أسود خرج إلى السماء كصرخةٍ من روحٍ حبيسة.

سقط عزّ الدين ميتًا، واختفت أم ربيعة بين الدخان.

أما سلمى، فتركت القرية ومشت عارية القدمين إلى النهر.



في الصباح، وجدها الناس جالسة على الضفة، تحدّق في الماء.

قالت لهم بهدوءٍ عميق:



“كل من يبيع ظلّه، يعيش بلا ملامح.”


ثم غابت في النهر كما تغيب القصيدة في صدر شاعرٍ لم يولد بعد.





الفصل الخامس – عندما بكت المرايا


بعد أن غابت سلمى في النهر، تغيّرت القرية.

لم يعد هناك من يبيع الأعشاب، ولا من يقرأ الطالع، ولا من يجرؤ على ذكر اسم “أم ربيعة”.

لكن كل بيتٍ صار يمتلك مرآة صغيرة تُقال إنها “ورثت من الكوخ المحترق”.



الناس بدأوا يحدّقون فيها كل صباح، لا ليُصلّوا، بل ليتأكدوا أنهم ما زالوا هناك.

وفي الليالي المقمرة، كانت المرايا تبتسم.



في اليوم الأربعين، سُمِعَ صوت امرأةٍ من عمق النهر يقول:



“أنا لم أمت… أنا فقط غسلتُ وجهي من الغبار.”


ومنذ تلك الليلة، صار النهر يعكس وجوه الناس لا كما هي، بل كما تخاف أن تُرى.

الفصل السادس – عودة الدجالين


مرت سنوات، ونسل أم ربيعة عاد متخفّياً.

كانوا يبيعون “العطر المقدس” الذي يُزيل أثر الخوف، ويدّعون أن رائحته تُعيد الظل لمن فقده.

لكن الحقيقة أن العطر كان يُصنع من رماد الأجساد التي أحرقتها المرآة القديمة.



ظهر عزّ الدين الآخر — شبيهٌ بالأول، كأنه توأم خرج من الظلال.

قال للناس إن اللعنة لن تزول إلا إذا “قُدِّمَت روحٌ طاهرة للنهر”.



الناس خافوا، فتنافسوا على الطهارة، ونسوا الرحمة.

كل بيتٍ صار يوشوش عن بيتٍ آخر: من الأحق بالذبح؟ من الذي يليق به أن يُقدَّم قربانًا؟



الشرّ لم يأتِ من السحر الأسود…

بل من القلوب التي وجدت في الخوف راحة.

الفصل السابع – النهر يتكلم


في ليلةٍ من ليالي المحاق، انشقّ النهر كأنه بابٌ بين عالمين، وخرجت منه سلمى.

كانت ترتدي ثوبًا من ضوءٍ مكسور، وعلى كتفها مرآةٌ بلا إطار.



قالت للناس:



“أنتم صنعتم الدجالين بأيديكم.
كل مرة صدّقتم كذبة لأنكم خفتم من الحقيقة، زرعتم حجرًا في معبد الوهم.”


اقترب منها أحد الشيوخ وقال:



“هل أنتِ ساحرة؟ أم روحٌ جاءت لتُحاسبنا؟”


ابتسمت وقالت:



“أنا ظلّكم الذي بعتموه. جئت أذكّركم بثمن الصفقة.”


حين نطقت، انكسرت كل المرايا في القرية دفعةً واحدة، وسقط الناس على الأرض كما لو أن أحدًا اقتلع منهم أصواتهم.

الفصل الثامن – حين استيقظ الضوء


في الصباح، أشرقت الشمس أخيرًا على القرية.

لكنها لم تعرف وجوهًا تعرفها.

كانت الأرض رطبة، والماء صامتًا، والهواء يحمل رائحة غريبة كأن العالم بكى طويلاً ثم قرر أن يبتسم.



اختفت سلمى مجددًا.

تقول الأسطورة إن ظلّها صار يسكن في كل مرآةٍ في الأرض،

وإن من يحدّق طويلاً في عينيه سيجدها هناك، تبتسم وتقول:



“من يبيع ظله، يشتري عماه.”


ومنذ ذلك اليوم، لم يعد الناس يثقون في من يبيع “البركة” أو “الحجاب” أو “الحلّ السريع”.

صاروا يعرفون أن الدجل لا يُمارَس فقط في الأكواخ…

بل في كل قلبٍ خاف من الحقيقة فاختار الكذب الذي يُطمئنه.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية- الخاصرة الرخوة- أنوثةٌ تُجلد باسم الطهارة ووطنٌ يُستب ...
- “أنشودة الإنجيل الأخير”
- وجهُ الذاكرةِ… حين تكتب حياة قالوش بمداد الحنين
- ‏قراءة ادبية في : ‏كتاب بعنوان -الرملة ٤٠٠ ...
- قراءة وجدانية فلسفية في ديوان «صبا الروح» للشاعرة سلمى جبران
- قراءة ادبية تحليلية في نص الفرح في حضرة الأم الغائبة للكاتبة ...
- ملحمة الندى والنار قصيدة وجدانية ملحمية
- الفرح في حضرة الأم الغائبة
- قراءة وارفة في ديوان «أنّات وطن» للشاعرة سلمى جبران ✦
- الإنسان يبكي ثم يرى
- قراءة في كتاب طفل الطيف رحلة في الحب والمعنى -بقلم الدكتور ع ...
- الوبش… حين يمرض المعنى ويغدو الجسد مرآة الوعي قراءة فلسفية ع ...
- 🕊️ توجيه المجموعات ثنائية اللغة في ظل الأزمات
- ذات مرة في غزة.. حين يصبح الوجع ذاكرةً جماعيةً للنجاة فيلم ف ...
- ‏قراءة أدبية في رواية -وجوه ناقصة- لرانية مرجية بقلم الدكتور ...
- قراءة أدبية في قصيدة -القصيدة التي تشبه شاعرها- لرانية مرجية ...
- دراسة أدبية لكتاب هلوسة للكاتبة رانية مرجية //بقلم الدكتور ع ...
- دراسة تحليلية لكتاب -كن أفضل صديق لنفسك: سفر الروح في مواجهة ...
- يا رب قصيدة ملحمية فلسفية وجدانية
- زهير دعيم… المعلم الذي علّمني أن الكلمة وطن


المزيد.....




- ندوة في اصيلة تسائل علاقة الفن المعاصر بالمؤسسة الفنية
- كلاكيت: معنى أن يوثق المخرج سيرته الذاتية
- استبدال بوستر مهرجان -القاهرة السينمائي-.. ما علاقة قمة شرم ...
- سماع الأطفال الخدج أصوات أمهاتهم يسهم في تعزيز تطور المسارات ...
- -الريشة السوداء- لمحمد فتح الله.. عن فيليس ويتلي القصيدة الت ...
- العراق يستعيد 185 لوحا أثريا من بريطانيا
- ملتقى السرد العربي في الكويت يناقش تحديات القصة القصيرة
- الخلافات تهدد -شمس الزناتي 2-.. سلامة يلوّح بالقضاء وطاقم ال ...
- لماذا قد لا تشاهدون نسخة حية من فيلم -صائدو شياطين الكيبوب- ...
- محمد المعزوز يوقع روايته -أول النسيان- في أصيلة


المزيد.....

- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الذين يبيعون الظل