أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - حين توقّف الطريق، بدأوا بالوصول














المزيد.....

حين توقّف الطريق، بدأوا بالوصول


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 01:58
المحور: الادب والفن
    


كان الطريقُ ممتدًّا أمامهم كخيطٍ رماديٍّ لا نهاية له، يشبه اختبارًا صامتًا للصبر.

السماءُ تهبط ببطءٍ نحو الأفق، والمساء يزحف بألوانه الثقيلة على وجه النهار الأخير.

كانت السيارة تمضي في هدوءٍ ثابت، كأنها تعرف وجهتها أكثر من ركّابها، إلى أن اختنق صوت المحرّك فجأة، وتوقّفت على حافة الشارع السريع.



انطفأت الضوضاء، وامتلأت السيارة بصمتٍ كثيفٍ يشبه انتظارًا طويلاً.

من الخارج، مجرد عطلٍ بسيط في سيارة صغيرة.

لكن من الداخل، كانت لحظةً فارقة — لحظة انكشافٍ إنسانيٍّ بين أربعة أرواحٍ تعلّمت أن تُخفي هشاشتها خلف روتينٍ يوميٍّ هادئ.



ثلاثة متوحّدين، ومرشدة واحدة.

لكن “التوحّد” لم يكن توصيفًا، بل عوالم كاملة تسير بجانبها دون أن تصطدم بها.



آدم، يرى الموسيقى في الضوء.

نادر، يضحك من نسمةٍ تمرّ، كأن في الضحك خلاصًا.

سليم، يتهرّب من اللمس، لكنه يلمس الحياة بعينيه.

وليلى، المرشدة التي تتعلّم كل يوم كيف تصغي إلى الصمت، وكيف تكون جسرًا بين العالمين.



فتحت ليلى النافذة، تنفّست الهواء الممزوج برائحة الأسفلت الساخن، وقالت بابتسامةٍ أكثر شجاعة من حقيقتها:



“السيارة محتاجة ترتاح شوي.”


سأل آدم بعينين صادقتين:



“هي تعبت؟”


أجابت:



“كلنا بنتعب يا آدم… حتى الحديد.”


ضحك نادر، وضحكته كانت خفيفة، تشبه نغمةً تائهة في أغنيةٍ لم تكتمل.

أما سليم، فظلّ صامتًا، يراقب الغروب كأنه يرى فيه وعدًا خفيًا.



السيارات المارّة كانت كالسكاكين، تقطع الهواء بسرعةٍ دون أن تلتفت.

لكن في تلك السيارة المتوقفة، الزمن توقّف معهم، وبدأ شيءٌ آخر ينبض — نوع من السلام الذي لا يأتي إلا حين نفقد السيطرة.



أخرجت ليلى زجاجة ماء وبعض البسكويت، وجلست معهم على الرصيف الإسمنتي.

الشمس كانت تغادر العالم بهدوء، والريح تمرّ على وجوههم كلمسةٍ حانية من الغيب.

قالت وهي توزّع البسكويت:



“وأنا صغيرة كنت بخاف من الطريق. كنت أقول لماما: يمكن أضيع؟ فكانت تضحك وتقول: اللي بيخاف من الضياع… بيضل شايف الطريق.”


تأملها سليم طويلًا، ثم قال فجأة، بصوتٍ واضحٍ على غير عادته:



“إحنا مش ضايعين… إحنا واقفين.”


تجمّدت الكلمات على شفتيها.

لم تتوقع منه جملة بهذا الوعي.

شعرت أن الصمت الذي كان يلفّه لم يكن عجزًا، بل عمقًا لا يراه أحد.

أدركت أن هذا التوقف لم يكن مجرّد عطل، بل استراحة روحية من الركض.



مرت ساعة.

جاء الميكانيكي، أصلح السيارة، وانطلقت من جديد.

لكنهم لم يعودوا كما كانوا.

كان في العيون شيءٌ جديد، وفي الهواء خفّة لم تكن قبل قليل.



قال آدم وهو يضع يده على المقود:



“السيارة رجعت تغنّي.”


ابتسمت ليلى، وأدركت أن ما غنّى لم يكن المحرّك، بل أرواحهم التي استيقظت.



في تلك الليلة، حين عبروا آخر جسرٍ قبل المدينة، كانت تفكّر أن الطريق لا يُقاس بالأميال، بل باللحظات التي تُعيدك إلى نفسك.

وأن الوصول الحقيقي لا يحدث حين نصل إلى المكان، بل حين نتوقّف لنرى بوضوحٍ من نحن.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة: أقرأ الأرض كي أنجو
- .حين نغادر كي نعود أنقى
- النقد كوعيٍ حيّ: قراءة الإنسان في مرايا الكلمة
- 🔹 قراءة في كتاب (الفينيق من الرماد) للكاتبة رانية مر ...
- الطيبة لا تموت
- حين تنصت اللغة إلى الله قراءة رانية مرجية في رواية إكسير الأ ...
- قراءة أدبية : في قصيدة (( لا يعرفونني)) للشاعرة رانية مرجية ...
- ثلاث مدن تمشي إلى الغياب (نصّ روائي شعري عن نكبة 1948) v ...
- نساءُ الضوء – رانية مرجيّة
- قراءة ادبية في قصيدة -أن تكون مثقفًا- للشاعرة الفلسطينية ران ...
- قراءة في قصيدة ما بين أوتار المكابرة … ، للمحامية عائشة يونس ...
- أنشودة مريم والنور
- الذين يبيعون الظل
- رواية- الخاصرة الرخوة- أنوثةٌ تُجلد باسم الطهارة ووطنٌ يُستب ...
- “أنشودة الإنجيل الأخير”
- وجهُ الذاكرةِ… حين تكتب حياة قالوش بمداد الحنين
- ‏قراءة ادبية في : ‏كتاب بعنوان -الرملة ٤٠٠ ...
- قراءة وجدانية فلسفية في ديوان «صبا الروح» للشاعرة سلمى جبران
- قراءة ادبية تحليلية في نص الفرح في حضرة الأم الغائبة للكاتبة ...
- ملحمة الندى والنار قصيدة وجدانية ملحمية


المزيد.....




- المنقذ من الضلال لأبي حامد الغزالي.. سيرة البحث عن إشراق الم ...
- ترامب: ضجيج بناء قاعة الرقص في البيت الأبيض -موسيقى تُطرب أذ ...
- لقطات نادرة بعدسة الأميرة البريطانية أليس... هل هذه أول صورة ...
- -أعتذر عن إزعاجكم-.. إبراهيم عيسى يثير قضية منع عرض فيلم -ال ...
- مخرجا فيلم -لا أرض أخرى- يتحدثان لـCNN عن واقع الحياة تحت ال ...
- قبل اللوفر… سرقات ضخمة طالت متاحف عالمية بالعقود الأخيرة
- إطلاق الإعلان الترويجي الأوّل لفيلم -أسد- من بطولة محمد رمضا ...
- محسن الوكيلي: -الرواية لعبة خطرة تعيد ترتيب الأشياء-
- من الأحلام إلى اللاوعي: كيف صوّرت السينما ما يدور داخل عقل ا ...
- موهبتان من الشتات تمثلان فلسطين بالفنون القتالية المختلطة في ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - حين توقّف الطريق، بدأوا بالوصول