أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - تنهيدة حرية: حين تكتب المرأة وجعها بالحبر والمقاومة














المزيد.....

تنهيدة حرية: حين تكتب المرأة وجعها بالحبر والمقاومة


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 00:13
المحور: الادب والفن
    


في زمنٍ تتكدّس فيه الروايات كما تتكدّس الأخبار على عتبات النسيان، تأتي رواية «تنهيدة حرية» للكاتبة رولا خالد غانم كوثيقة إنسانية مدهشة، تُعيد إلينا الإيمان بأن الأدب ما زال قادرًا على أن يكون مرآة للروح وسلاحًا في وجه المحو.
هذه ليست رواية تُقرأ، بل رواية تُعاش — تُسكنك داخلها حتى تلهث معها، وتخرج منها وقد أصبحت جزءًا من حكايتها.
امرأة تكتب تاريخ النساء من رماد الذاكرة
ليست «تنهيدة حرية» رواية عن فلسطين فحسب، بل عن المرأة الفلسطينية وهي تكتب تاريخها الشخصي خارج المألوف.
الجدّة سُلى، التي نراها في مطلع النص تحيك الذاكرة كما تحيك شالها الصوفيّ، ليست مجرد شخصية؛ إنها صوت جيلٍ كاملٍ من النساء اللواتي حملن الوطن في أرحامهنّ قبل أن تحمله الخرائط.
كل سطرٍ في الرواية ينبض بأنوثةٍ متجذّرة، لا تهادن، ولا تتجمّل.
أنوثةٍ تجرّحت، لكنها لم تنكسر؛ صارت الذاكرة نفسها أنثى، تتنهد لا لتبكي، بل لتُقاوم.
تقول إحدى الجدّات في الرواية:
“ذُقنا الويل قبل أن تفتح الحياة ذراعيها لنا، ومع ذلك، لم نترك الوردة تموت على الشباك.”
بهذه الجملة، تختصر غانم فلسفتها السردية: أن تحيا رغم القهر هو الفعل الأكثر بطولية.
الحكاية كجغرافيا بديلة للوطن
يبدأ النص في بيتٍ صغيرٍ محاطٍ بالياسمين، ثم يتسع تدريجيًا ليشمل الوطن كله.
من غزة إلى رفح، من يافا إلى عمّان، من حكاية الجدّة إلى بنات الجيل الجديد، يتحول البيت إلى وطنٍ مصغّر، والمطبخ إلى جبهة مقاومةٍ يومية، والقهوة إلى طقس انتماء.
تكتب غانم التاريخ من أسفل الذاكرة، لا من فوق المنابر.
تُعيد إلى السرد الفلسطيني ما فقده: الوجدان الإنساني والهمس الأنثوي.
وهي بذلك تضع القارئ أمام حقيقة قاسية: أن الاحتلال لا يسكن الأرض فقط، بل يسكن الجسد واللغة، والعلاقات، وحتى الحنين.
لغة تمشي على جرحٍ وتُزهر
لغة الرواية ليست مجرد وسيلة لنقل الحكاية، بل كائنٌ حيّ يتنفس، يئنّ، ويُصلي.
تكتب رولا غانم بجملٍ تشبه الخيوط الممتدة بين القلب والذاكرة؛ جملٍ ناعمة كنسيم البحر، جارحة كزفرات المكلومات.
تقول في أحد المقاطع:
“كتبت هذه الرواية من ثمار الخراب.”
إنها جملة تُلخّص التجربة كلها — فـ”الخراب” في الرواية ليس نهاية، بل تربة للولادة الجديدة.
و”التنهيدة” ليست انكسارًا، بل شكلًا آخر من أشكال الصراخ الهادئ.
أنثى تكتب ضد المحو
رولا خالد غانم تنتمي إلى جيلٍ من الكاتبات اللواتي لا ينتظرن أن يمنحهنّ التاريخ مقعدًا؛ بل يصنعن مقعدهنّ بالكتابة.
هي لا تروي الحكاية من الخارج، بل من قلب النار.
تمنح نساءها أسماءً ووجوهًا وتفاصيل، ليغدو كل فصلٍ من الرواية اعترافًا أنثويًا ضد الصمت.
في «تنهيدة حرية»، لا تُقدَّم المرأة كضحية بل كناجية.
النجاة هنا ليست فعلًا جسديًا، بل روحيًا — أن تظل قادرة على الحلم، على الحب، على الغناء ولو في المنفى.
الفلسطيني في المرايا الأنثوية
الرواية تُعيد تعريف “الوطن” خارج المفهوم الذكوري التقليدي.
فالوطن في منظورها ليس علَمًا أو حدودًا، بل أمٌّ تعدّ القهوة رغم الحرب، وجدّةٌ تحفظ مفتاح البيت في صدرها، وبنتٌ تكتب لتستعيد ملامح أبيها المفقود.
غانم تُحيل القضية الفلسطينية إلى سؤالٍ وجوديٍّ عن الإنسان، عن معنى البقاء، عن كيف يمكن أن نحمل الذاكرة دون أن نُصاب بالجنون.
وهنا تتجلّى عبقريتها السردية: فالقضية الكبرى تمرّ من تفاصيل الملاعق، وضوء الصباح، وملمس الشال، لا من الشعارات.
تنهيدة الحرية: بين الألم والجمال
في النهاية، هذه الرواية لا تقدّم خلاصًا، بل مرآةً صادقة للخراب الذي يسكننا.
لكنها تُذكّرنا أن بين الحطام دومًا ما يزهر.
أن الحرية ليست نصرًا سياسيًا فحسب، بل حالة وعي، وامتلاك للذات بعد فقدانها.
ولعل أعظم ما فعلته غانم هو أنها أعادت للكتابة الفلسطينية وجهها الإنساني بعد أن أرهقها الخطاب السياسي.
كتبت رواية يمكن لأي إنسانٍ في أي مكانٍ أن يقرأها ويقول:
“هذه ليست حكاية فلسطين فقط، بل حكايتنا جميعًا.”
🔸 كلمة أخيرة
«تنهيدة حرية» ليست رواية تقرأها بعينيك فقط، بل برئتيك، لأنها تجعلك تتنفس الألم، وتتنهد الحرية كما لو كانت آخر هواءٍ في هذا العالم الملوث بالخوف.
إنها رواية مكتوبة من لحم الذاكرة ودم اللغة — عمل سيظل، لسنواتٍ قادمة، علامةً فارقة في الأدب الفلسطيني والعربي الحديث



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «نبضات محرّمة»: حين يكتب القلب ما يحرّمه المجتمع
- تنهيدة حرية… رواية تُعيد كتابة الوجع الفلسطيني بأنفاس النساء
- وصيّة الأرض قبل القيامة
- سِفْرُ الكَلِمَةِ الأُولَى (أنشودة النور الكوني)
- أمهات الأرض
- ليما: التي تتحدث مع الصمت
- 🕯️ ظلّ الممر الأبيض
- رئتان تتنفّسان الندم
- حين توقّف الطريق، بدأوا بالوصول
- قصيدة: أقرأ الأرض كي أنجو
- قراءة أدبية في قصيدة -أقرأ الأرض كي أنجو- - للشاعرة رانية مر ...
- .حين نغادر كي نعود أنقى
- النقد كوعيٍ حيّ: قراءة الإنسان في مرايا الكلمة
- 🔹 قراءة في كتاب (الفينيق من الرماد) للكاتبة رانية مر ...
- الطيبة لا تموت
- حين تنصت اللغة إلى الله قراءة رانية مرجية في رواية إكسير الأ ...
- قراءة أدبية : في قصيدة (( لا يعرفونني)) للشاعرة رانية مرجية ...
- ثلاث مدن تمشي إلى الغياب (نصّ روائي شعري عن نكبة 1948) v ...
- نساءُ الضوء – رانية مرجيّة
- قراءة ادبية في قصيدة -أن تكون مثقفًا- للشاعرة الفلسطينية ران ...


المزيد.....




- محاضرة في جمعية التشكيليين تناقش العلاقة بين الفن والفلسفة ...
- فلسطينيون يتجمعون وسط الأنقاض لمشاهدة فيلم -صوت هند رجب-
- مونيكا بيلوتشي تشوق متابعيها لفيلم 7Dogs بلقطة مع مع أحمد عز ...
- صورة الصحفي في السينما
- تنزانيا.. سحر الطبيعة والأدب والتاريخ في رحلة فريدة
- -في حديقة الشاي- لبدوي خليفة.. رواية تحاكي واقعا تاريخيا مأز ...
- -أوبن إيه آي- تدرس طرح أداة توليد موسيقى
- محمد بن راشد يفتح -كتاب تاريخ دبي-.. إطلاق -دار آل مكتوم للو ...
- حبيب الزيودي.. شاعر الهوية والوجدان الأردني
- -ذهب أسوان-..هكذا تحوّل فنانة واجهات المباني إلى متحف مفتوح ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - تنهيدة حرية: حين تكتب المرأة وجعها بالحبر والمقاومة