رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات
(Rania Marjieh)
الحوار المتمدن-العدد: 8506 - 2025 / 10 / 25 - 00:48
المحور:
الادب والفن
قبل أن يُخلق الزمن، كانت الأرضُ أنفاسًا حائرةً في صدر العدم،
تنتظر نغمةً أولى تُعيد إلى الصمتِ معناه.
وفي ومضةٍ من حنينٍ مجهول، ارتجف الطين، وخرج من بين شقوق العتمة نورٌ خجولٌ كابتسامةِ فجرٍ يولد قبل أوانه.
قالت الأرض في سرّها: «هذه لورا، أمّ النور.»
كانت لورا تسير على الماء دون أن يُبلِّلها،
تفتح جفون الصخور، وتزرع في ظلال الليل بذور الأمل.
وحين نظرت إلى الفراغ حولها، أدركت أن الظلام ليس خصمًا، بل مرآةٌ يُكمِل النور بها نفسه.
ومن أنفاسها اشتعلت نجومُ الرؤية الأولى،
وتعلّم الإنسان كيف يرى، دون أن يفهم بعدُ ما يرى.
لكنّ النور إذا طغى، يُغرق صاحبه في وهجه.
فبكت الأرضُ دمعةً من حنينٍ إلى التوازن،
ومن دمعتها خرجت نُهى — أمّ الذاكرة.
تمشي متأنّيةً كمن يحمل على كتفيه أزمنة العالم.
كتبت على الريح حكايات الأجداد،
وسكبت في عيون البشر بذور الحنين كي لا يضيعوا في طريق الضوء.
قالت لهم:
«الذاكرة ليست ما تتذكّرونه، بل ما يرفض النسيان أن يُميتَه فيكم.»
غير أن الذاكرة حين تثقل، تتحوّل إلى حجرٍ على القلب.
وحين امتلأت الأرض بالأوجاع، تنفّست تنهيدة غفرانٍ حارة،
ومن دفء تلك التنهيدة خرجت مارا – أمّ الغفران.
نصفها ماء، ونصفها نار، وفي عينيها تلتقي السماء بالبحر.
قالت:
«الغفران هو وعيُ الألم، لا نفيُه.
من لا يغفر، يبقى سجين مرآته إلى الأبد.»
التقت الأمهات الثلاث عند شاطئ الضوء.
قالت لورا: «أنرناه فعَمِي.»
قالت نُهى: «ذكّرناه فنسي.»
قالت مارا بابتسامةٍ مُرهقةٍ بالحكمة: «دعيه يسقط قليلًا؛ السقوطُ ليس نهاية، بل ميلادٌ آخر.»
صمتت الأرض طويلًا، ثم فتحت رحمها مرةً رابعة.
ومن عمقها خرجت امرأةٌ لم يُعرَف اسمها،
تمشي بين النور والظل، لا تعرف حدود الجسد ولا قوانين السماء.
قالت بصوتٍ يشبه المطر:
«أنا ابنة الأرض، لست نبيّةً ولا ظلًّا.
أنا ابنة النور والذاكرة والغفران.
وُجدتُ لأذكّركم أن الأرض لا تطلب عبادةً، بل حبًّا.»
حين نطقتْ، سكنت الريح،
وأزهرت الحجارة تحت الأقدام.
رفع الإنسان رأسه للمرة الأولى لا ليسأل، بل ليفهم.
ابتسمت الأرض وقالت كأنها تخاطب الكون كلَّه:
«صوتي لا يموت، بل يتجدّد في كل أمٍّ تحبّ،
وفي كل يدٍ تُمسِك بالتراب كأنها تمسح على وجه الله.»
ومنذ ذلك اليوم،
كل امرأةٍ تضم طفلها لتُسكِنه صدرها،
تُعيد للكون معناه الأول:
أن الحنان هو أصل الخلق،
وأن الأمهات — وحدهن — يعرفن كيف يبدأ العالم وكيف يُشفى
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
Rania_Marjieh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟