أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الذين باركوا القتل – غلاف فارغ














المزيد.....

الذين باركوا القتل – غلاف فارغ


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 00:32
المحور: الادب والفن
    


الغلاف فارغ.

صفحة بيضاء لا صورة فيها ولا عنوان فرعي ولا توقيع رسّام.

كأن الفراغ نفسه هو الحقيقة الوحيدة الباقية بعد أن امتلأ العالم بالدماء.



في زمنٍ صار فيه القاتل نجمًا تلفزيونيًا، وصار الموت خبرًا متكرّرًا في نشرات المساء، اختارت الذاكرة أن تصمت كي لا تُشارك في الجريمة.

فما عادت الكلمات قادرة على تطهير ما لوّثته الأيدي.

ولا الألوان قادرة على أن تغسل ما التصق بالضمائر من رماد.

الغلاف الأبيض كبيان ضد القبح


الغلاف الفارغ ليس عجزًا عن التعبير، بل احتجاج صامت على عصرٍ تواطأ مع القتل وجعل من الوحش بطلاً.

البياض هنا ليس حيادًا، بل صرخةٌ مكتومة في وجه الصخب.

كلّ لونٍ آخر صار متواطئًا: الأحمر تكرّس في الذاكرة دمًا، والأسود صار شعارًا للتضامن اللحظي، أما الأبيض فهو المساحة الوحيدة التي لم تُدنّس بعد.



الغلاف الفارغ يواجهنا بأسئلتنا:

كم مرة صمتنا لأن القتيل لا يشبهنا؟

وكم مرة باركنا القاتل لأننا أحببنا خطابه أكثر من الحقيقة؟

كم مرة تجاهلنا المذبحة لأننا كنا مشغولين بتصحيح النحو في منشورٍ عن الدم؟

الذين باركوا القتل


هم لا يحملون سلاحًا دائمًا.

أحيانًا يكتبون قصائد تمجّد “الكرامة” التي تُزهق أرواح الآخرين باسمها.

أحيانًا يظهرون على الشاشات بابتساماتٍ ناعمة يبرّرون بها المذبحة.

وأحيانًا يجلسون في بيوتهم المريحة، يلعنون القتل بصوتٍ خافت، ثم يواصلون الغداء كأن شيئًا لم يحدث.



الذين باركوا القتل هم أعداء الذاكرة.

هم الذين جعلوا الدم وجهة نظر، والمأساة “وجهًا آخر للحقيقة”.

هم الذين تآلفوا مع البشاعة حتى لم يعودوا يروْنها.

ومن يعتاد القتل، يباركه دون أن يدري.

الغلاف كمرآة


الغلاف الفارغ ليس غيابًا، بل مرآة.

كل من ينظر إليه يرى نفسه، لا القاتل.

فالجريمة لم تعد على الجبهات، بل في العيون التي تنظر ولا ترى.

كل بياضٍ في هذا الغلاف يذكّرنا بأن السكوت هو الحبر الذي كُتبت به كل المآسي.



الفراغ لا يخون.

هو وحده القادر على مواجهة الذاكرة دون أقنعة.

إنه صرخة مكتوبة بخطٍّ غير مرئي، تقول لنا:



“ما لم تقولوه كان أكثر فتكًا مما فُعل.”
الفن حين يختار الصمت


ربما كان الفن آخر ما تبقّى من إنسانيتنا.

لكن الفن نفسه صار مهددًا حين صارت الجثث تُعرض كرموز، والدموع تُقاس بعدد الإعجابات.

لذلك، كان الغلاف الفارغ ضرورة — إعلان رفضٍ للابتذال، وللاستهلاك العاطفي، وللسخرية من الموت باسم الجمال.



الغلاف الأبيض لا يبيع رواية، بل يفتح محكمة ضمير.

كل قارئ يصبح شاهدًا، وكل نظرة إدانة أو اعتراف.

ما بعد البياض


حين تُغلق هذا الغلاف الفارغ، ستشعر أنه لم يُغلق بعد.

لأن الصفحة البيضاء ليست نهاية الكتاب، بل بدايته.

في داخلها تُكتب الأسئلة التي لم نجرؤ على طرحها بعد:

هل ما زلنا بشرًا؟

أم أننا أصبحنا جمهورًا في عرضٍ دمويٍّ لا ينتهي؟

هل ما زال الصمت نجاةً، أم صار مشاركةً في القتل؟

الخاتمة


الغلاف الفارغ ليس صمتًا، بل لغة جديدة للرفض.

إنه يقول ما لا تقوله الشعارات ولا الأناشيد ولا القصائد.

يقول: “لقد مات المعنى، ولم يبقَ إلا البياض كي نحتمي به.”



ربما، في هذا الفراغ، يولد شكلٌ آخر من الحكاية.

حكاية لا تبرّر، لا تبارك، لا تنسى.

حكاية تضع أمام العالم مرآته العارية، وتقول:



“هكذا يبدو العالم حين يُبارك القتل.”



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تنهيدة حرية: حين تكتب المرأة وجعها بالحبر والمقاومة
- «نبضات محرّمة»: حين يكتب القلب ما يحرّمه المجتمع
- تنهيدة حرية… رواية تُعيد كتابة الوجع الفلسطيني بأنفاس النساء
- وصيّة الأرض قبل القيامة
- سِفْرُ الكَلِمَةِ الأُولَى (أنشودة النور الكوني)
- أمهات الأرض
- ليما: التي تتحدث مع الصمت
- 🕯️ ظلّ الممر الأبيض
- رئتان تتنفّسان الندم
- حين توقّف الطريق، بدأوا بالوصول
- قصيدة: أقرأ الأرض كي أنجو
- قراءة أدبية في قصيدة -أقرأ الأرض كي أنجو- - للشاعرة رانية مر ...
- .حين نغادر كي نعود أنقى
- النقد كوعيٍ حيّ: قراءة الإنسان في مرايا الكلمة
- 🔹 قراءة في كتاب (الفينيق من الرماد) للكاتبة رانية مر ...
- الطيبة لا تموت
- حين تنصت اللغة إلى الله قراءة رانية مرجية في رواية إكسير الأ ...
- قراءة أدبية : في قصيدة (( لا يعرفونني)) للشاعرة رانية مرجية ...
- ثلاث مدن تمشي إلى الغياب (نصّ روائي شعري عن نكبة 1948) v ...
- نساءُ الضوء – رانية مرجيّة


المزيد.....




- محاضرة في جمعية التشكيليين تناقش العلاقة بين الفن والفلسفة ...
- فلسطينيون يتجمعون وسط الأنقاض لمشاهدة فيلم -صوت هند رجب-
- مونيكا بيلوتشي تشوق متابعيها لفيلم 7Dogs بلقطة مع مع أحمد عز ...
- صورة الصحفي في السينما
- تنزانيا.. سحر الطبيعة والأدب والتاريخ في رحلة فريدة
- -في حديقة الشاي- لبدوي خليفة.. رواية تحاكي واقعا تاريخيا مأز ...
- -أوبن إيه آي- تدرس طرح أداة توليد موسيقى
- محمد بن راشد يفتح -كتاب تاريخ دبي-.. إطلاق -دار آل مكتوم للو ...
- حبيب الزيودي.. شاعر الهوية والوجدان الأردني
- -ذهب أسوان-..هكذا تحوّل فنانة واجهات المباني إلى متحف مفتوح ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الذين باركوا القتل – غلاف فارغ