أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - رانية مرجية - تعب الوعي… حين تصبح الروح ساحة حرب














المزيد.....

تعب الوعي… حين تصبح الروح ساحة حرب


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 14:59
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


يقول لي بصوتٍ خافتٍ كأنّه يخاف من صدى نفسه:
“الأدوية تجعلني أنام كثيرًا، لكنني لا أستيقظ حقًا. أعيش بين نومٍ ونصف يقظة، بين هدوءٍ مزيّف وغضبٍ يتربص بي من الداخل.”
كان يتحدث عن دوائه كما يتحدث أحدنا عن سجنٍ جميلٍ بنوافذ مفتوحة. الأدوية لا تقتل الألم، بل تروّضه؛ تُسكِت الوحش لكنها تُميت الفراشة أيضًا.
هو شاب يعاني من إعاقة ذهنية تطورية، لكنّني كلّما أصغي إليه، أشعر أن الإعاقة الحقيقية تسكننا نحن — نحن الذين نحتاج دواءً من نوعٍ آخر: دواءً يوقظ إنسانيتنا التي خَدّرها الخوف والتصنيف.
العنف بوصفه صرخة الضعف
أحيانًا يتحوّل إلى عاصفةٍ صغيرة: يرمي الأشياء، يصرخ، يضرب الهواء كما لو كان يقاتل جدارًا غير مرئي.
لكن حين تهدأ العاصفة، ينهار مثل طفلٍ خائفٍ من نفسه.
في تلك اللحظة أدرك أن العنف، بالنسبة إليه، ليس شرًّا بل نداءٌ استغاثة. هو لغة الجسد حين يخونه الكلام، ولغة الروح حين تُمنع من التعبير.
كم منّا نحن “الأسوياء” نخفي عنفنا في جُملٍ مهذبة، أو في قراراتٍ باردة تُميت قلوب الآخرين؟ هو لا يعرف الزيف، لذلك يصرخ حين يتألم، ويبكي حين يخاف، ويضحك حين يرى عصفورًا يمرّ من نافذته. كم هو نقيّ هذا الجنون!
الدواء كعبء فلسفي
كلّ قرصٍ يتناوله هو مفاوضة بين الجسد والروح.
الدواء يعده بالهدوء، لكنّ الثمن باهظ: شعورٌ دائمٌ بالتعب، نومٌ كثيفٌ لا يشفى منه، وموتٌ بطيءٌ للرغبة في الحياة.
من المفارقات أن الطبّ الذي يسعى إلى “تعديل السلوك” قد يطفئ في الإنسان جوهره — ذلك الشرر الغامض الذي يجعله مختلفًا، متوهجًا، حيًّا.
في عينيه أرى سؤالًا لا يقال:
“هل يريدون أن أكون هادئًا… أم ميتًا؟”
الحرية كعلاجٍ لا يُوصف
حين سألته ذات يوم:
“ما الذي تريده؟”
قال ببساطةٍ جارحة:
“أريد أن أنام دون خوف، وأن أستيقظ دون أن يأمرني أحد بما أفعل.”
كلماتٌ قصيرة، لكنها تختصر معضلة الإنسان منذ فجر الوعي: أن يحيا وفق صوته الداخلي، لا وفق وصفةٍ دوائية أو نظامٍ اجتماعي.
ربما كانت الحرية هي أعظم علاجٍ يمكن أن يُمنح لإنسانٍ مُتعبٍ من القوالب.
الوعي المرهق والعالم الأعمى
أحيانًا أفكر: من الذي يعاني فعلًا من اضطرابٍ تطوّري؟
هو الذي يحاول أن يتصالح مع نفسه رغم إعاقته؟ أم نحن، الذين نهرع نحو كل ما يخدّرنا عن مواجهة ذواتنا؟
نحن نأخذ أقراصًا معنوية كل يوم — أقراص الشهرة، العمل، الاستهلاك، الأقنعة الاجتماعية. كلّنا نحيا على مهدئات من نوعٍ آخر.
هذا الشاب الذي يرقد نصف عمره في النوم، يوقظ فينا أسئلةً عميقة حول المعنى.
لقد جعلني أدرك أن الإنسانية ليست في الكمال، بل في القدرة على البقاء رغم النقص.
أن الجمال ليس في السلوك المهذب، بل في الصدق — ذلك الصدق الخام الذي لا يُغلف بالعقلانية.
ختامًا: إنقاذ الإنسان من “العلاج”
نحن نعيش في زمنٍ يُقدّس الإنتاج ويحتقر الضعف.
كل من لا يواكب “السرعة” يُوصم بأنه مريض، أو ناقص، أو يحتاج إلى تعديلٍ كي يصبح “طبيعيًا”.
لكن من قال إن الطبيعية يجب أن تكون نسخة واحدة من الإنسان؟
ذلك الشاب الذي أنهكه الدواء علّمني درسًا في الوجود:
أنّ الوعي، حين يتعب، لا يعني النهاية. بل يعني أنك عشت بما يكفي لتشعر بكلّ شيءٍ بعمقٍ مؤلم.
وأنّ أكثر البشر “اختلالًا” ربما هم أكثرنا صدقًا، لأنهم لم يتعلموا بعد كيف يزيّفون أرواحهم.
لقد أرهقته الأدوية، نعم — لكنها لم تُطفئ نوره.
وما بقي من ذلك النور، يكفي ليذكّرنا جميعًا بأننا بشر.
ولعلّ هذا وحده… هو المعجزة.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة… حين تنبعث من قلب الرماد
- لا تحفر لي حفرة
- قراءة في قصيدة -وجع- للشاعرة رانية مرجية بقلم د. عادل جوده/ ...
- حين تتحد الأرواح رغم اختلاف الأسماء
- ‏قراءة ادبية ‏ قي قصسدة ارحمنا يا الله للشاعرة رانية مرجية & ...
- الذين باركوا القتل رواية رانية مرجية 2 ...
- رولا.. الرواية التي تنسج الحلم الفلسطيني بخيوط الوجع والكرام ...
- قراءة في قصة -الصدق أحلى يا أصحابي- للدكتورة سيما صيرفي
- بعد موت أمي
- ‏قراءة الأدبية لرواية -الذين باركوا القتل- ‏ للكاتبة رانية م ...
- قراءة أدبية (( ملحمة الرماد والنبض) ) لرانية فؤاد مرجية بقلم ...
- الذين باركوا القتل – غلاف فارغ
- تنهيدة حرية: حين تكتب المرأة وجعها بالحبر والمقاومة
- «نبضات محرّمة»: حين يكتب القلب ما يحرّمه المجتمع
- تنهيدة حرية… رواية تُعيد كتابة الوجع الفلسطيني بأنفاس النساء
- وصيّة الأرض قبل القيامة
- سِفْرُ الكَلِمَةِ الأُولَى (أنشودة النور الكوني)
- أمهات الأرض
- ليما: التي تتحدث مع الصمت
- 🕯️ ظلّ الممر الأبيض


المزيد.....




- هل ستكون انتخابات حكام الولايات استفتاء على ترامب؟.. مصادر ت ...
- بعد 3 سنوات من الاعتقال.. إطلاق سراح فرنسيين محتجزين في إيرا ...
- البيت الأبيض يؤكد التزامه بإيجاد حل سلمي للأزمة السودانية
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. القسام تسلم جثة أسير وقصف إسرائيلي ب ...
- بعد -رأس الحكمة-.. مصر على موعد مع صفقة استثمارية خليجية جدي ...
- عُثر عليها داخل الخط الأصفر شرق غزة... إسرائيل تتسلم رفات ره ...
- من كان ديك تشيني... -العقل المدبر- لحرب العراق؟
- زامير مستعد لإخراج 200 مسلح من رفح مقابل جثة الجندي هدار غول ...
- تونس رحلت 10 آلاف مهاجر في 2025 وتتعهد بعدم التحول لمنطقة عب ...
- واشنطن: ترامب سيلتقي الشرع في البيت الأبيض يوم الاثنين


المزيد.....

- عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو ... / بندر نوري
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - رانية مرجية - تعب الوعي… حين تصبح الروح ساحة حرب