أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - ليان... حين تقع القلوب في امتحان الإنسانية














المزيد.....

ليان... حين تقع القلوب في امتحان الإنسانية


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 14:36
المحور: الادب والفن
    


ليان ليست مجرد فتاة.
هي مرآة صغيرة تعكس قسوة العالم ولينه في آنٍ واحد.
فيها براءة الملاك، وارتباك الإنسان، وتعب الله حين يرى أولاده يخطئون في معنى الرحمة.

في المصنع المحمي، على أطراف المدينة،
تدور الماكينات كأنها تبتلع أنينًا متكررًا.
وفي زاوية بعيدة تجلس ليان،
بابتسامةٍ لا تشبه أحدًا،
وعقلٍ يسير بخطواتٍ متعثرة لكنّ قلبه يركض.

هي لا تعرف من القسوة سوى ما تركه الآخرون في نظراتهم،
ولا تعرف من العالم سوى أنه مكانٌ يطلب منك أن تكون “طبيعيًّا” لتُحب.
لكن ليان... مختلفة،
تعيش بإعاقةٍ ذهنية تطورية، يرافقها صرعٌ يأتي كل أسبوع،
فيخلط بين الغيبوبة والحلم، بين الغياب والعودة إلى الحياة.

المصنع... وطنٌ من الحديد والحذر

يقولون "مصنع محمي"،
لكن من يحمي مَن؟
هل يحمونهم من العالم، أم يحمون العالم منهم؟
بين الضجيج والأنابيب اللامعة،
تغلف ليان ألعابًا بلاستيكية لأطفال لن تعرف وجوههم.
تحب الألوان الزاهية لأنها "تُشبه الأمان" كما تقول.

تعمل بجدٍّ مدهش، لكنّها تنتظر شيئًا آخر:
كلمة. لمسة. نظرة. أي دليل على أنها مرئية.
ففي عالمٍ يعشق الإنتاج أكثر من الإنسان،
تصير الكلمة الطيبة أغلى من الراتب.

الوقوع الأسبوعي في الحب

كل أسبوع تقع ليان في الحب.
لا لأنّها عابثة، بل لأنّها حية أكثر منّا جميعًا.
تحب سامر لأنه أنقذها من نوبة صرع،
وتحب نادر لأنه سألها إن كانت بخير.
تحب الحارس لأنه قال لها "صباح الخير يا وردة".

تكتب أسماءهم في دفترٍ ورديٍّ صغير.
وعندما يبتعدون — وهم دائمًا يبتعدون —
تشطب الاسم بحذرٍ كما يشطب الطفل خطأه في دفتر الواجب.
لكنها لا تشطب الأمل أبدًا.

سارة، زميلتها، تبتسم بحزنٍ حين تقول ليان:

"سامر يحبني، ابتسم لي اليوم مرتين."
فتهمس سارة:
"ليان، سامر متزوج."
فترد ليان ببساطةٍ تفكّك منطق الكبار:
"لكنه قال صباح الخير.
ومن يقول صباح الخير لمن لا يحب؟"

النوبة التي كشفت الحقيقة

في أحد الأيام، سقطت ليان أرضًا.
الماكينات توقفت، الصراخ ملأ المكان،
جسدها يهتزّ كقلبٍ مرهق من الصبر.
هرع سامر إليها، أمسك يدها،
قال بخوفٍ أبويّ:

"كل شيء بخير، يا صغيرة."

حين فتحت عينيها، ابتسمت له.
كانت تلك الابتسامة نذراً من الحبّ، ووعداً بالحياة.
لكن سامر خاف من تلك النظرة،
خاف من أن يتحول الحنان إلى "إشاعة"،
فابتعد.
وبقيت ليان تسأل نفسها:

"لماذا يهرب الناس عندما أحبّهم؟
هل الحبّ خطيئة لذوي الإعاقة؟"

الوصمة التي تقتل ببطء

في المقصف، سمعَت عاملة تقول:
"المسكينة ليان، تتعلق بأي رجل!"
ضحكوا.
لكن أحدًا لم يسأل نفسه:
لماذا يتعلّق الإنسان أصلًا؟
أليس لأن العالم باردٌ جدًا؟

إنّهم يضعون حول المختلفين سياجًا من حرصٍ زائف،
يقولون “نحميهم”، لكنهم في الحقيقة يعزلونهم عن المعنى.
ليان لا تحتاج إلى حماية،
تحتاج فقط إلى أن يُعاملها أحد كبشرٍ لا كملفٍّ طبيّ.

من السقوط إلى النهوض

في المساء، جلست قرب النافذة،
كتبت في دفترها الورديّ:

"يا الله، لماذا لا أفهم القلوب؟
ولماذا لا يفهمون قلبي؟
أنا لا أريد الزواج...
فقط أريد من يقول لي: أنتِ بخير كما أنتِ."

ثم أغلقت الدفتر ونامت على ضوءٍ صغير في قلبها.

في الصباح، ارتدت فستانها الأزرق،
وضعت وردة بلاستيكية في شعرها،
ودخلت المصنع بخفةٍ جديدة.
قال لها الحارس:
"صباح الخير يا ليان."
فابتسمت وقالت:

"صباح النور، لا تقلق، اليوم لن أحب أحدًا...
اليوم أحب نفسي."

ومنذ ذلك اليوم،
لم تعد تقع في الحبّ كل أسبوع،
بل صارت تمنحه بلا خوف.
صارت تزرع في المصنع ضوءًا ناعماً يشبهها.
ضحكتها صارت صلاةً صغيرة،
ووجودها صار تذكيرًا بأن الإنسان لا يُقاس بعقله فقط،
بل بقدرته على الحب رغم كل السقوط.

خاتمة

ليان ليست حكاية فتاة بإعاقة.
إنها مرآةٌ لكلّ الذين لم يجدوا مكانًا في هذا العالم المحسوب بالعقل والربح.
هي اختبارٌ لنا،
هل نرى الإنسان قبل تشخيصه؟
هل نحبّ المختلف بلا خوف؟

كل أسبوع، تسقط ليان في نوبة جديدة،
وتنهض كما تنهض الحياة نفسها.
لا تحمل ضغينة، فقط ابتسامة صغيرة كجناحٍ مكسور،
وتقول بهدوء:

"أنا لا أشفى من الحبّ...
لكنّي أتعلم أن أعيش به."



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد بركة… حين فشل الزعيم في أن يكون بين الناس
- ✨ ما بين جرسٍ وهلال (Between a Bell and a Crescent)
- رنين بشارات… حين يتكلّم الصدق بصوتٍ مسرحيّ
- 🎭 “الحانة تعبانة”… حين يقف الإنسان في البار ليواجه ن ...
- قراءة أدبية في مجموعة -قصص قصيرة جداً- لرانية مرجية بقلم د. ...
- حين تعلّم النور أن يتكلم
- لفراشة كرمز للوعي والعبور قراءة فلسفية تأويلية في كتاب “قالت ...
- ✦ الفراشة كرمز للوعي والعبور قراءة فلسفية تأويلية في ...
- «حين يتكلم الصمت: دروس في الإنسانية من مصنعٍ صغير»
- الكاتبة رانية مرجية تحاور الأديبة الفلسطينية رولا خالد غانم ...
- - أميرة- الرواية التي تلد فلسطين من رحم الذاكرة
- الفتاة التي سرقت الشمس
- تعب الوعي… حين تصبح الروح ساحة حرب
- غزة… حين تنبعث من قلب الرماد
- لا تحفر لي حفرة
- حين يفكّر الله فينا… ينهزم اليأس
- قراءة في قصيدة -وجع- للشاعرة رانية مرجية بقلم د. عادل جوده/ ...
- حين تتحد الأرواح رغم اختلاف الأسماء
- ‏قراءة ادبية ‏ قي قصسدة ارحمنا يا الله للشاعرة رانية مرجية & ...
- الذين باركوا القتل رواية رانية مرجية 2 ...


المزيد.....




- مكتبة الملك عبدالعزيز تطلق فيلم الحج -على خطى ابن بطوطة-
- الجمال آخر ما تبقى من إنسانيتنا
- -ستيريا-: أول مهرجان ستاند أب كوميدي في سوريا!
- أبوالغيط يؤكد أهمية الثقافة كجسر للتواصل في العلاقات الدولية ...
- زلزال في -بي بي سي-: فيلم وثائقي عن ترامب يطيح بالمدير العام ...
- صورة -الجلابية- في المتحف تثير النقاش حول ملابس المصريين
- مهرجان -القاهرة السينمائي- يعلن عن أفلام المسابقة الدولية في ...
- زلزال في -بي بي سي-: فيلم عن ترامب يطيح بالمدير العام ورئيسة ...
- 116 مليون مشاهدة خلال 24 ساعة.. الإعلان التشويقي لفيلم مايكل ...
- -تحيا مصر وتحيا الجزائر-.. ياسر جلال يرد على الجدل حول كلمته ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - ليان... حين تقع القلوب في امتحان الإنسانية