أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - حين تعلّم النور أن يتكلم














المزيد.....

حين تعلّم النور أن يتكلم


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8519 - 2025 / 11 / 7 - 21:31
المحور: الادب والفن
    


في الرابعة والعشرين من عمره، لم يكن “آدم” يعرف أنه مريض.

كان يظن أنه مثل الجميع — فقط أكثر حاجة إلى اللمس، أكثر خوفًا من الوحدة.

لكنّ العالم لم يره كإنسان.

رآه وحشًا.

حين قبضوا عليه بعد أن تحرّش بطفل، لم يفهم ماذا يعني أن تكون مجرمًا، لأن أحدًا لم يعلّمه يومًا ماذا يعني أن تكون بريئًا.



وُلد آدم في بيتٍ بلا أبوابٍ تُغلق على الطفولة.

أبٌ يقامر حتى الفجر، يبيع ضميره كما يبيع أثاث البيت، يصرخ في وجه الأم كمن يفرغ داخله السمّ.

أمٌّ صامتة كجدارٍ خائف، تمسح الدموع من على وجهها لتغسل بها وجه أطفالها.

وأخواتٌ فقدن الطريق إلى الطفولة حين صار الجسد وسيلة للبقاء.

بيتٌ مليء بالضوء الكهربائي، لكنه بلا نور.

هناك، تعلم آدم أن الجسد يُستَخدم، أن القرب يُشترى، أن الحبَّ وجعٌ يُدارى باللعب.



حين كان في السابعة، رأى أباه يضرب أمه حتى سقطت.

في تلك اللحظة، انكسر شيء في داخله — ذلك الخيط الدقيق الذي يفصل بين الحنان والأذى.

ولمّا كبر، صار يكرر ما تعلّمه دون أن يدرك أنه يُعيد إنتاج الجرح ذاته.

في المحكمة، كان صوته أشبه بصوت طفلٍ يسأل:



“هل يمكن أن أعود صغيرًا؟”
لكن القضاة لا يسمعون هذا النوع من الأسئلة.
القانون لا يفهم البراءة المكسورة، فقط الجرم.
هكذا حُكم عليه بالسجن، وأُغلق الباب خلفه كما أُغلقت كل الأبواب قبله.


في الزنزانة، كان يجلس طويلاً أمام الجدار.

أحيانًا يضحك وحده، وأحيانًا يبكي حين يسمع صرخةً من بعيد.

كان يحلم ببيتٍ له جدران بيضاء، فيها نافذة واحدة تطل على الشجر.

لم يكن يريد الحرية — كان يريد فرصةً للفهم.



ثم جاءت سلمى.

امرأة لا تشبه أحدًا من عالمه.

عالمة نفس جاءت من منظمة دولية تعالج من يسمّيهم العالم “المنحرفين”.

لكنها لم ترَ منحرفًا أمامها، بل إنسانًا انكسر قبل أن يُخلق وُعيه.

قالت له في الجلسة الأولى:



“آدم، لم تخلق شريرًا. وُضعت فقط في مكانٍ علّمك الخطأ قبل أن تعرف الصواب.”


ومنذ ذلك اليوم، بدأت معركة النور مع الظل.

لم يكن العلاج سهلاً.

في كل جلسة كان يتصارع مع ذاكرته، يصرخ كطفلٍ يرى للمرة الأولى الجرح الذي في داخله.

كانت تقول له:



“التوبة ليست اعترافًا أمام الناس، بل مصالحة مع نفسك.”


بدأ يرسم.

في البداية كانت لوحاته رمادية كالسجن، بلا وجوه ولا شمس.

ثم بدأ يرسم أطفالًا يضحكون، ثم وجوهًا تشبه أمه.

وفي يومٍ، رسم نافذة في وسط الظلام.

سألته سلمى:



“ما هذا الضوء؟”
فقال:
“أنا… حين لم أعد أخاف من نفسي.”
خرج آدم بعد خمس سنوات.

لم تفتح له الحياة ذراعيها، لكنه لم يعد يبحث عنها.

عمل في مركزٍ صغير للأطفال ذوي الإعاقة، يُعلّمهم الرسم والألوان.

كان يعرف كيف يكلّمهم لأنّه كان يومًا في مكانهم — غريبًا عن العالم، يبحث عن كلمةٍ تُطمئنه.



في أول معرضٍ له، اجتمع الفنانون والصحفيون والناشطون.

كانت لوحته الأخيرة تُظهر طفلًا يقف في عتمةٍ كثيفة، يفتح بيديه نافذةً يدخل منها النور، وخلفه ظلّ لرجلٍ يجلس حزينًا.

سألته سلمى — وقد أتت من بعيد لتراه:



“من هذا الرجل؟”
قال:
“هو أنا، حين غفرت لأبي.”
صرخة للضمير الإنساني


آدم ليس شخصًا واحدًا، بل مجتمعٌ بأكمله وُلد في الظل.

كلّ بيتٍ صامتٍ على العنف يخلق “آدمًا” جديدًا، وكلّ طفلٍ لم يُحتَضن يُنذر بعالمٍ بلا رحمة.

المجتمعات التي لا تعالج، تُنتج الجريمة ثم تدينها.

المدارس التي لا تُعلّم الحب، تزرع الخوف.

وحين يُعاقَب من لم يُفهَم، يموت فينا ما تبقّى من إنسانيتنا.



في عالمٍ يقدّس القانون وينسى الرحمة، يجب أن نعيد تعريف العدالة.

العدالة ليست فقط عقاب الفعل، بل فهم جذره.

والرحمة ليست عطفًا، بل معرفة — معرفة أن كل ظلامٍ يحتاج إلى من يعلمه كيف يتكلم نورًا.



فليكن اسم “آدم” شاهدًا علينا جميعًا:

على بيوتنا التي تخنق الطفولة، ومدارسنا التي لا تُعلّم الحنان، وأنظمتنا التي تخاف من الاعتراف بأن المجرم أحيانًا… ضحية.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لفراشة كرمز للوعي والعبور قراءة فلسفية تأويلية في كتاب “قالت ...
- ✦ الفراشة كرمز للوعي والعبور قراءة فلسفية تأويلية في ...
- «حين يتكلم الصمت: دروس في الإنسانية من مصنعٍ صغير»
- الكاتبة رانية مرجية تحاور الأديبة الفلسطينية رولا خالد غانم ...
- - أميرة- الرواية التي تلد فلسطين من رحم الذاكرة
- الفتاة التي سرقت الشمس
- تعب الوعي… حين تصبح الروح ساحة حرب
- غزة… حين تنبعث من قلب الرماد
- لا تحفر لي حفرة
- حين يفكّر الله فينا… ينهزم اليأس
- قراءة في قصيدة -وجع- للشاعرة رانية مرجية بقلم د. عادل جوده/ ...
- حين تتحد الأرواح رغم اختلاف الأسماء
- ‏قراءة ادبية ‏ قي قصسدة ارحمنا يا الله للشاعرة رانية مرجية & ...
- الذين باركوا القتل رواية رانية مرجية 2 ...
- رولا.. الرواية التي تنسج الحلم الفلسطيني بخيوط الوجع والكرام ...
- قراءة في قصة -الصدق أحلى يا أصحابي- للدكتورة سيما صيرفي
- بعد موت أمي
- ‏قراءة الأدبية لرواية -الذين باركوا القتل- ‏ للكاتبة رانية م ...
- قراءة أدبية (( ملحمة الرماد والنبض) ) لرانية فؤاد مرجية بقلم ...
- الذين باركوا القتل – غلاف فارغ


المزيد.....




- الفيلم الكوري -أخبار جيدة-.. حين تصنع السلطة الحقيقة وتخفي أ ...
- بالاسم والصورة.. فيلم يكشف قاتل شيرين أبو عاقلة
- السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام ...
- إطلاق الإعلان الترويجي الأول للفيلم المرتقب عن سيرة حياة -مل ...
- رئيس فلسطين: ملتزمون بالإصلاح والانتخابات وتعزيز ثقافة السلا ...
- السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام ...
- شاهد رجل يقاطع -سام ألتمان- على المسرح ليسلمه أمر المحكمة
- مدينة إسرائيلية تعيش -فيلم رعب-.. بسبب الثعابين
- اتحاد الأدباء يحتفي بشوقي كريم حسن ويروي رحلته من السرد إلى ...
- الناصرية تحتفي بتوثيق الأطوار الغنائية وتستذكر 50 فناناً أسه ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - حين تعلّم النور أن يتكلم