أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الخيط الذي لم ينقطع: قصة فتاة أعادت اختراع معنى النجاة














المزيد.....

الخيط الذي لم ينقطع: قصة فتاة أعادت اختراع معنى النجاة


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 10:55
المحور: الادب والفن
    


في مكان ما من هذا العالم، لا يهم أين بالتحديد، فوق قطعة أرض تتشابه مع آلاف المدن التي تتنفس تحت ثقل العنف والسكوت، كان هناك مصنع محمي.

ليس مصنعًا للثياب فقط، بل مصنعًا لترميم البشر.

مكان يشبه مساحة محايدة بين الماضي والمستقبل، بين الألم ورغبة الإنسان في أن يظل قائمًا رغم كل شيء.



في الزاوية الهادئة من ذلك المصنع، جلست فتاة في بدايات العشرين.

لم تكن ملامحها تخبر أحدًا بحكايتها، لكنها كانت تحمل في عينيها أثر انكسار قديم.

ذلك النوع من الانكسار الذي لا يحدث من ضربة غريب، بل من خيانة قربٍ ظننّاه ملاذًا.



لقد جاءت إلى المصنع هاربة من صدمة لم يخترها جسدها، ومن سؤال ظل يلاحقها طويلًا:

كيف يمكن للإنسان أن يشفى من شخص كان يجب أن يحميه؟

كانت تمسك كل صباح بالخيط الأبيض.

خيط واحد، نقيّ، لا يحمل ذاكرة أحد.

كانت تمرره بين أصابعها كما لو أنها تتأكد أن يدها ما زالت ملكًا لها.

ومع كل غرزة تخيطها، كانت تحاول أن تلّم شظايا الروح التي مزّقت عنوة.



حولها كانت النساء يشبهن نساء العالم كله:

وجوه صامتة تحمل خلفها حكايات لم تُحكَ،

وأيادٍ تعرف كيف تُعيد ترتيب الحياة دون ضجيج.



لم يسألنها شيئًا، لأن بعض الأسئلة قاسية أكثر من الجروح.

اكتفين بأن يكنّ بجانبها،

صامتات…

كما لو أن الصمت نفسه فعل حبّ.

في مساء بعيد، وحين كان المصنع يفرغ من صوته تدريجيًا، اقتربت منها المشرفة وسألتها برفق:

«هل ترغبين أن تعودي إلى العمل في الخارج يومًا؟»



هزّت الفتاة رأسها دون يقين.

لم تكن تخشى العالم،

بل تخشى أن يكرر العالم عليها نفس الخذلان.



لكن في تلك الليلة، حين كانت تغلق حقيبتها، لاحظت شيئًا بسيطًا لكنه عظيم:

يدها لم ترتجف.

للمرة الأولى منذ زمن طويل، لم ترتجف.



عندها فهمت أن الشفاء ليس ضوءًا يظهر فجأة،

بل لحظة صغيرة جدًا،

خفيفة جدًا،

تقول فيها الروح لنفسها:

“أنا هنا.

وما زلت أستحق الحياة.”

الفلاسفة يقولون:

إن كل إنسان يولد مرتين.

مرة من جسد أمه،

ومرة من الجرح الذي كاد أن يكسره.



وهذه الفتاة كانت تعيش ولادتها الثانية.

لم تبحث عن البطولة في مواجهة المعتدي،

ولا عن ضجيج العدالة.

كانت تبحث عن شيء أعمق:

أن تستعيد نفسها،

أن تتصالح مع جسدها،

أن تعود لصوتها الداخلي دون خوف.



ولم يكن المصنع مجرد مكان عمل…

كان رحمًا جديدًا،

يمنحها الوقت كي تتعلم كيف تحب وجودها من جديد.

لم تعد حكايتها محصورة في حدود مدينة أو ثقافة.

فهي تشبه حكايات فتيات حول العالم،

من الشرق والغرب،

من الشمال والجنوب،

فتيات يملكن الجرح نفسه،

والصمت نفسه،

والحاجة العميقة إلى مكان آمن يقول لهن:

“أنتن لستن وحدكن.”



وقد كانت قصتها درسًا عالميًا:

أن الإنسان لا ينجو بالهروب،

ولا بالصراخ،

بل بالاعتراف بأن الخوف ليس عيبًا،

وأن الشجاعة التي لا تُرى

هي الشجاعة الحقيقية.

ويوم ستخرج من المصنع،

لن يكون خروجًا من جدران أربعة،

بل خروجًا من القيد الذي وضعه الألم حول قلبها.



ستخرج امرأة جديدة،

تعرف أن كرامتها ليست قابلة للكسر،

وأن يدها التي أمسكت بالخيط ذات يوم

كانت تمسك في الحقيقة بخلاصها.



ستخرج لا لأنها لم تعد خائفة،

بل لأنها تعلمت أن تمشي

حتى لو كان الخوف يمشي بجانبها.



وهذه، في النهاية،

أعظم انتصارات البشر.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وطنٌ يعلّم أبناءه الحلم… ثم يجرّدهم من حقّ الحلم
- طولكرم… مدينةٌ تعلّم القلب كيف يقف دون خوف
- مار جريس… الفارس الذي يفضح خوف العالم
- الامتنان… فلسفة حياة ومرآة للروح الإنسانية
- لقاء لا يُنسى مع المناضلة الفلسطينية ليلى خالد
- حين عدتُ من الموت… أدركتُ الحقيقة التي يخشاها الجميع
- رولا غانم.. حين ينهض الوطن من بين سطور امرأة
- قصة: حين ينهض الصمت ويقول اسمه
- الإيزيديون… حين تُضيء الكلمة طريق الإنسان
- رواية الحصاد… حين يُزهر الوطن في قلب الطفولة
- 🎭 مسرح لا يسألهم عمّا نقص… بل عمّا يلمع
- قراءة في قصة -مفتاحٌ لا يَصدأ-: للكاتبة رانية فؤاد مرجية  ...
- ليان... حين تقع القلوب في امتحان الإنسانية
- محمد بركة… حين فشل الزعيم في أن يكون بين الناس
- ✨ ما بين جرسٍ وهلال (Between a Bell and a Crescent)
- رنين بشارات… حين يتكلّم الصدق بصوتٍ مسرحيّ
- 🎭 “الحانة تعبانة”… حين يقف الإنسان في البار ليواجه ن ...
- قراءة أدبية في مجموعة -قصص قصيرة جداً- لرانية مرجية بقلم د. ...
- حين تعلّم النور أن يتكلم
- لفراشة كرمز للوعي والعبور قراءة فلسفية تأويلية في كتاب “قالت ...


المزيد.....




- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- حوارية مع سقراط
- موسيقى الـ-راب- العربية.. هل يحافظ -فن الشارع- على وفائه لجذ ...
- الإعلان عن الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب 2025 في دورتها الـ1 ...
- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- من الجو..مصور يكشف لوحات فنية شكلتها أنامل الطبيعة في قلب ال ...
- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
- -المعرفة- في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الخيط الذي لم ينقطع: قصة فتاة أعادت اختراع معنى النجاة