أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - قصة: حين ينهض الصمت ويقول اسمه














المزيد.....

قصة: حين ينهض الصمت ويقول اسمه


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8525 - 2025 / 11 / 13 - 11:17
المحور: الادب والفن
    


في كل بلد، مهما بدا آمنًا أو جميلًا،
هناك بيوت تهتزّ ليلًا.
بيوت تتظاهر بالنوم،
لكنها تسمع ما لا يُقال،
وتخفي ما لا يجب أن يُخفى،
وتكتم أنينًا يعرف طريقه إلى القلوب الصغيرة.

بيت ليان كان واحدًا من تلك البيوت…
بيتًا لا يصرخ،
لكنه ينزف من الداخل دون أن تراه أحد.

1. الطفلة التي كانت تقيس المسافة بين الأذى والباب

كانت ليان، في الثامنة فقط، تعرف أنّ الخوف ليس ظلًا… بل رائحة.
ليس كلمة… بل خطوة.
ليس صراخًا… بل اقتراب رجل من مكان لا يجب أن يقترب منه.

كانت تعرف البيت غرفه واحدة واحدة:
الغرفة الآمنة،
الغرفة التي لا تدخلها،
الممر الذي تتوقف فيه أنفاسها،
والباب الذي يجعل قلبها يهرب قبل جسدها.

لم يكن أحد يسألها:
“ليش متوترة؟”
“ليش تنامي بدري؟”
“ليش صوتك منخفض؟”

لأن الكبار نادرًا ما يسألون الأسئلة الصحيحة…
حين تأتي الحقيقة من طفل.

2. الأم التي سمعت الحقيقة قبل أن تُقال… وخافت منها

الأم لم تكن جاهلة.
لكنها كانت أسيرة ما هو أشد قسوة من الجهل:
الخوف من أن يأتي الخراب من داخل البيت.

كانت ترى كل ما لا يُقال:
جسد صغير ينكمش،
عينان تبحثان عن مخرج،
طفلة تضحك بوجهٍ نصفه دمعة.

لكنّ المجتمع يربّي الأمهات على جملة واحدة:
“إسكتي… وانسي… ومرّقي.”

حتى وقع بين يديها ما لم تستطع أن تمرّره:
ورقة صغيرة،
سطر واحد،
بقعة حبر تهزّ جدارًا كاملًا:

“لو مش أنا الغلط… ليه خايفة منه؟”

كان السؤال أبعد من قدرة الأم على الاحتمال،
وأقرب من أن يُتجاهل.

3. الليلة التي استيقظ فيها البيت

جلست الأم قرب ابنتها.
لم تبحث عن التفاصيل،
لأن التفاصيل تقتل.
لم تطلب الأسماء،
لأن الأسماء ثقيلة على طفلة.

اقتربت فقط…
بذلك الاقتراب الذي تفعله الأمهات حين يقفن بين الطفل والموت.

قالت:

“ما رح أتركك.
وما رح نخلي الخوف يحكم بيتنا.”

كانت الجملة قصيرة،
لكنها كسرت سلسلة كاملة من الصمت الموروث.

في تلك الليلة،
لم تنجُ ليان فقط…
بل نجت الأم أيضًا.

نجتا من صمتٍ كان يمكن أن يُدفن على شكل قدر.

4. حين تذهب امرأة بقلبها إلى العدالة

في الصباح،
لم تذهب الأم إلى شيخ،
ولا إلى رجل كبير،
ولا إلى مجلس رجال يحرس العار أكثر مما يحرس الطفولة.

ذهبت إلى القانون.
إلى العالم الحقيقي.
إلى الحقيقة.

قالت أمام الجميع:

“الخيانة الحقيقية…
إنو نخلي طفل يعيش مع خوف ما بيقدر يسميه.”

لم تكن شجاعة خارقة،
بل شجاعة أمّ.
والأمهات حين يقررن…
يغيرن مجرى حياة.

5. حين لا يعود الصوت خائفًا من نفسه

كبرت ليان.
كبرت دون أن تتظاهر أن الماضي لم يكن.
كبرت دون أن تخجل من جرح لم تصنعه.
كبرت وهي تعرف أن الصوت لا يُمنَح…
بل يُنتزع من داخل الظلام.

صارت تكتب.
لا لتخبر الناس بما حدث،
بل لتخبرهم بما لا يجب أن يحدث مرة أخرى.

صارت تقول:
“الطفل ما بيخترع خوف.
والخوف ما بيطلع من الفراغ.”
“والستر الحقيقي… حماية الطفل.
مش حماية المجرم.”

كانت كلماتها لا تُشبه كلمات ناجية…
بل كلمات مجتمعٍ يحاول أن يتعلم أخيرًا.

6. خاتمة تُلزم القارئ ولا تتركه محايدًا

هذه ليست قصة ليان.
هذه قصة العالم.
قصة الجدار الذي لم يعد قادرًا على حمل الأسرار.
قصة الجملة التي تغيّر كل شيء:
“أنا خايفة.”

قصة أم اختارت أن تصدق.
وقانون اختار أن يحاسب.
ومجتمع يُجبَر، لأول مرة، أن ينظر في المرآة.

قصة تقول:

إن الأطفال ليسوا مجرّد تفاصيل في حياة الكبار.

وإن الصمت ليس حكمة… بل جريمة مؤجلة.

وإن البيت إمّا أن يكون أمانًا… أو لا يكون بيتًا.

وحين سُئلت ليان بعد سنوات:
“كيف نجا قلبك؟”

أجابت بجملة واحدة،
جملة تكفي لتُسقط خمسين عامًا من الصمت:

“نجوتُ يوم صدّقتني أمي… لا يوم حوكم هو.”

وهكذا،
ينهض الصمت،
ويقول اسمه،
ويفتح بابًا لم يدخل منه الضوء يومًا…

حتى الآن.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإيزيديون… حين تُضيء الكلمة طريق الإنسان
- رواية الحصاد… حين يُزهر الوطن في قلب الطفولة
- 🎭 مسرح لا يسألهم عمّا نقص… بل عمّا يلمع
- قراءة في قصة -مفتاحٌ لا يَصدأ-: للكاتبة رانية فؤاد مرجية  ...
- ليان... حين تقع القلوب في امتحان الإنسانية
- محمد بركة… حين فشل الزعيم في أن يكون بين الناس
- ✨ ما بين جرسٍ وهلال (Between a Bell and a Crescent)
- رنين بشارات… حين يتكلّم الصدق بصوتٍ مسرحيّ
- 🎭 “الحانة تعبانة”… حين يقف الإنسان في البار ليواجه ن ...
- قراءة أدبية في مجموعة -قصص قصيرة جداً- لرانية مرجية بقلم د. ...
- حين تعلّم النور أن يتكلم
- لفراشة كرمز للوعي والعبور قراءة فلسفية تأويلية في كتاب “قالت ...
- ✦ الفراشة كرمز للوعي والعبور قراءة فلسفية تأويلية في ...
- «حين يتكلم الصمت: دروس في الإنسانية من مصنعٍ صغير»
- الكاتبة رانية مرجية تحاور الأديبة الفلسطينية رولا خالد غانم ...
- - أميرة- الرواية التي تلد فلسطين من رحم الذاكرة
- الفتاة التي سرقت الشمس
- تعب الوعي… حين تصبح الروح ساحة حرب
- غزة… حين تنبعث من قلب الرماد
- لا تحفر لي حفرة


المزيد.....




- تحسين مستوى اللغة السويدية في رعاية كبار السن
- رش النقود على الفنانين في الأعراس.. عادة موريتانية تحظر بموج ...
- كيف نتحدث عن ليلة 13 نوفمبر 2015 في السينما الفرنسية؟
- ميريل ستريب تلتقي مجددًا بآن هاثاواي.. إطلاق الإعلان التشويق ...
- رويترز: أغلب المستمعين لا يميزون الموسيقى المولدة بالذكاء ال ...
- طلاق كريم محمود عبدالعزيز يشغل الوسط الفني.. وفنانون يتدخلون ...
- المتحف الوطني بدمشق يواصل نشاطه عقب فقدان قطع أثرية.. والسلط ...
- وزارة الثقافة السورية تصدر تعميما بمواصفات 6 تماثيل مسروقة م ...
- هنادي مهنّا وأحمد خالد صالح ينفيان شائعة طلاقهما بظهورهما مع ...
- السعودية تُطلق -أكاديمية آفاق- لتعزيز الشراكة بين التعليم وا ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - قصة: حين ينهض الصمت ويقول اسمه