أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رانية مرجية - وطنٌ يعلّم أبناءه الحلم… ثم يجرّدهم من حقّ الحلم














المزيد.....

وطنٌ يعلّم أبناءه الحلم… ثم يجرّدهم من حقّ الحلم


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 14:17
المحور: المجتمع المدني
    


في هذا الوطن، نكبر على جملة شهيرة يرددها الآباء للجيل الجديد: "ادرس يا بني، فالعلم يرفع بيتًا لا عماد له."
نصدقهم.
نحسب أن الشهادة سلاح، والاجتهاد درب، والطموح جناح. نكبر ونكدّ ونحلم، ومن حولنا هالة من الأمل تقول إن لكل مجتهد نصيبًا.

لكننا نصدم—وبقسوة—بأن النصيب ليس للمجتهدين، بل للمقرّبين، وأن الأبواب لا تُفتح بالمفاتيح التي نصنعها بعرق جبيننا، بل بالمفاتيح المصنوعة في مكاتب النفوذ، ومجالس المصالح، وهواتف "أصحاب القرار".

هذا وطنٌ لا يخذل أبناءه فقط… بل يخذل أقدس ما فيهم: إيمانهم بالعدالة.

ابن الفقير… مواطن بنصف فرصة

ابن الفقير يدخل الحياة مُثقلًا بما لم يختره: قلة الحيلة، ضيق الحال، وغياب الواسطة.
يُطالب أن يكون في القمة، رغم أنه يبدأ من القاع.
يُقال له: "اجتهد، وستصل."
لكنه حين يصل إلى بوابة العمل، يجد أن وصوله لا يعني شيئًا لأن اسمه ليس "صحيحًا" بما يكفي، ولأنه لا يحمل رقم هاتف الشخص المناسب في جيبه.

ابن الفقير يدرس بشغف، ينتظر بشرف، ويُهزم بصمت.
يُهزم لا لأنه ضعيف، بل لأن النظام الذي يقف أمامه أقوى من كل اجتهاده.

إنه يُستنزف معنويًا.
يستهلك عمره وهو يثبت أنه يستحق فرصة، بينما غيره يحصل على الفرصة قبل أن يثبت أي شيء.

ابن الوزير… منصب قبل الولادة

على الضفة الأخرى، هناك ابن الوزير، وابن المسؤول، وابن صاحب السلطة.
هؤلاء يدخلون الحياة ومعهم رزمة امتيازات مجانية، كأنهم صُنِعوا من طينة مختلفة.

لا يطاردون الفرص… الفرص تطاردهم.
لا يبحثون عن الوظيفة… الوظيفة تنتظر توقيعهم.
لا يقلقون من المقابلات… فالمقابلة مجرد تحية شكلية، والقرار مُتخذ مسبقًا.

يُصبح المنصب لهم قبل أن يعرفوا مسؤولياته.
وكأن البلد ملكية خاصة، توزّع فيها المكاتب كما تُوزّع الأراضي والبيوت.

التعيينات الفاسدة… وجه آخر للخراب

حين تذهب المناصب لغير مستحقيها، يخسر الوطن أكثر مما يتخيل البعض.
تنهار المؤسسات من الداخل، يهبط مستوى الخدمات، تتراجع ثقة المواطن، ويصبح الأداء العام ضعيفًا، بلا روح، بلا رؤية، وبلا ضمير.

الفساد ليس فقط سرقة المال العام.
الفساد الحقيقي هو سرقة فرصة.
سرقة حلم.
سرقة عمر شاب كان يستطيع أن يبني، لولا أن الكرسي ذهب لمن لا يستحق.

الفاسد لا يحتاج أن يسرق الخزينة… يكفي أن يسرق مقعدًا كان يجب أن يجلس عليه ابن الفقير.

الشهادات تُهان… والكفاءات تُحارب

إن أخطر ما في هذا المشهد أن الدولة—من حيث لا تدري—تقول لأبنائها:
“لا قيمة لشهاداتكم… ولا معنى لاجتهادكم… ولا جدوى لطموحكم.”

إنها رسالة مدمّرة، تجعل التعليم بلا معنى، وتجعل الشباب بلا مستقبل، وتجعل الوطن بلا طاقة بشرية حقيقية.

وهكذا تنتشر البطالة، وتتمدد الإحباطات، ويزداد النزيف البشري إلى الخارج.

الهجرة… ليس هروبًا بل نجاة

حين يهاجر أبناؤنا، يقال إنهم “تركوا الوطن”.
والحقيقة أنهم لم يتركوه… بل تُركوا.
تُركوا بلا فرصة، بلا أمل، بلا اعتراف بقدراتهم.

هم لا يبحثون في الخارج عن رفاهية، بل عن عدالة بحدّها الأدنى: أن يُقيَّموا بما يعرفون، لا بمن يعرفون.

أسئلة لا تحتمل التأجيل

إلى متى سيبقى الفقير مجرد صوت بلا صدى؟
إلى متى يبقى المنصب إرثًا؟
إلى متى يكون مستقبل الناس مرهونًا بعلاقات لا بقدرات؟
إلى متى ندفع ثمن فساد لا يجرؤ أحد على تسميته باسمه؟
وإلى متى سيبقى العدل مؤجلاً… كأنه مشروع مترف لا وقت له؟

نحو وطن لا يخجل من أبنائه

لا نريد وطنًا يُقصي ابن الوزير، ولا وطنًا يُقصي ابن الفقير.
نريد وطنًا واحدًا، معيار واحد، فرصة واحدة.

نريد دولة تقول لكل أبنائها:
"من يجتهد… يستحق."
"من يتعب… يُكافأ."
"ومن يملك كفاءةً… يتقدم."

نريد وطنًا لا يخجل حين ينظر في المرآة.
وطناً لا يحتاج مواطنوه إلى معارف بل إلى معرفة، لا إلى واسطة بل إلى جدارة.

كلمة أخيرة… بحجم الوجع

سيأتي يوم، وربما قريب، نسأل فيه:
لماذا تراجع الوطن؟
لماذا هاجر الشباب؟
لماذا انطفأت الأحلام؟

وسيأتي الجواب واضحًا كالشمس:
لأن المناصب وُزعت بلا حق.
لأن الفساد كان أقوى من العدالة.
ولأن أبناء البلد—الذين كان يمكن أن ينهضوا به—لم يُسمح لهم بالاقتراب من باب الفرصة.

وطنٌ لا يحاسب نفسه… لن يرحمه التاريخ.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طولكرم… مدينةٌ تعلّم القلب كيف يقف دون خوف
- مار جريس… الفارس الذي يفضح خوف العالم
- الامتنان… فلسفة حياة ومرآة للروح الإنسانية
- لقاء لا يُنسى مع المناضلة الفلسطينية ليلى خالد
- حين عدتُ من الموت… أدركتُ الحقيقة التي يخشاها الجميع
- رولا غانم.. حين ينهض الوطن من بين سطور امرأة
- قصة: حين ينهض الصمت ويقول اسمه
- الإيزيديون… حين تُضيء الكلمة طريق الإنسان
- رواية الحصاد… حين يُزهر الوطن في قلب الطفولة
- 🎭 مسرح لا يسألهم عمّا نقص… بل عمّا يلمع
- قراءة في قصة -مفتاحٌ لا يَصدأ-: للكاتبة رانية فؤاد مرجية  ...
- ليان... حين تقع القلوب في امتحان الإنسانية
- محمد بركة… حين فشل الزعيم في أن يكون بين الناس
- ✨ ما بين جرسٍ وهلال (Between a Bell and a Crescent)
- رنين بشارات… حين يتكلّم الصدق بصوتٍ مسرحيّ
- 🎭 “الحانة تعبانة”… حين يقف الإنسان في البار ليواجه ن ...
- قراءة أدبية في مجموعة -قصص قصيرة جداً- لرانية مرجية بقلم د. ...
- حين تعلّم النور أن يتكلم
- لفراشة كرمز للوعي والعبور قراءة فلسفية تأويلية في كتاب “قالت ...
- ✦ الفراشة كرمز للوعي والعبور قراءة فلسفية تأويلية في ...


المزيد.....




- إعلام الأسرى: المقاومة تستلم قائمة 1468 اسما لأسرى غزة وتحذر ...
- الشتاء يضرب خيام النازحين في الضفة الغربية+ فيديو
- اللاجئون سيواجهون انتظاراً لمدة 20 عاماً للاستقرار الدائم بم ...
- أمطار غزيرة تزيد من معاناة النازحين في قطاع غزة
- الأمم المتحدة: جهود الاستجابة الإنسانية متواصلة بسوريا رغم ن ...
- أمطار غزيرة ممزوجة بمياه صرف صحي تغرق خيام النازحين في خان ي ...
- خيام النازحين في غزة تتحول إلى برك طين بسبب الأمطار
- الدفاع المدني في غزة يستغيث: الأمطار تغرق مخيمات النازحين وا ...
- غارات إسرائيلية جنوبي غزة وغزارة الأمطار تفاقم معاناة النازح ...
- خيام النازحين في غزة تتحول إلى برك طين بسبب الأمطار


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رانية مرجية - وطنٌ يعلّم أبناءه الحلم… ثم يجرّدهم من حقّ الحلم