رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات
(Rania Marjieh)
الحوار المتمدن-العدد: 8532 - 2025 / 11 / 20 - 10:04
المحور:
الادب والفن
الفصل الأول — حين يتشقّق الصباح
لم تبدأ المأساة بانفجار.
بدأت بارتعاشةٍ وقفت فيها امرأة عند نافذتها،
ورأت في الضوء ما ليس ضوءًا،
وفي الهواء ما ليس هواءً.
كانت المدينة تستيقظ ببطء،
والأطفال يركضون خلف رائحة الخبز،
لكن قلبها كان يعرف:
هذا الصباح لا يشبه الصباح.
وحين انفجر الصوت الأول،
لم تصرخ…
بل أمسكت أبناءها
وكأنها تمسك الأرض بيدٍ واحدة.
الفصل الثاني — الباب الذي لا يعود يُفتح
لم تغلق الباب خلفها.
كان الباب يرتجف،
كأنه يخجل من عجزه،
كأنه يعرف
أنه لن يُفتح لها ثانية.
"هل سنعود؟"
سأل الأطفال.
لكن الأمّ التي لا تعرف الإجابة
تصمت…
فالصمت أصدق من الوهم.
الفصل الثالث — الطريق الذي يتعلّم من أقدامها
بدأت الرحلة بخطوة،
ثم ثانية،
ثم صار المشي قدَرًا
طويلًا كالمنفى،
ثقيلاً كالغبار.
كانت تحمل طفلًا على كتف،
وآخر يمسك طرف ثوبها،
وثالثًا يحاول فهم
كيف تتحول المدن
من مأوى
إلى رماد.
ومع كل خطوة
كانت تفقد شيئًا،
ورغم ذلك
تكسب شيئًا أكبر:
قوّةً لا تأتي إلا من الجرح.
الفصل الرابع — المدن التي لا تتذكّر
وصلت إلى مدينة جديدة.
مدينة بلا رائحة،
ولا ذاكرة،
ولا لغة تنادي اسمها.
كانت تمرّ بين الناس كظلٍّ لا يلتفت أحدٌ إليه،
وتتحسّس وجودها ليلًا
لتتأكد أنها ما تزال هنا،
فالمنفى
يمحو الإنسان ببطء
كما يُمحى خطٌّ رقيق على الرمل.
ولم تعد تثق بالجدران—
لأن الجدران تَسقط
وتترك أهلها في العراء.
فقرّرت أن تسكن
في المسافة بين الأشياء:
بين الماضي والغد،
وبين الخوف والبقاء.
الفصل الخامس — الأيام التي تربّي الصمود
كبر أطفالها،
واشتدّ الحنين في عظامها،
لكن الحكاية
لم تتغيّر.
كانت تلمّع الصبر كل صباح
كما تُلمّع الأمهاتُ أحذية أبنائهن،
وتخبّئ دمعها
كما يُخبَّأ الذهب
في زمنٍ يخون الذهب.
لم تسعَ إلى بطولة،
كانت تسعى فقط
أن يظلّ أطفالها على قيد الحياة.
لكنها أصبحت—من حيث لا تريد—
رمزًا للصمود؛
أيقونةً للذين يمشون
بين جرحٍ وجرح
دون أن يسقطوا.
الفصل السادس — كي لا تُنسى الحكاية
الحكاية ما زالت تمشي…
تتنقّل من قلبٍ إلى قلب،
ومن جيلٍ إلى جيل،
كي لا يُقال يومًا:
"لم يحدث شيء."
تُروى
لأن الهجرة لم تكن رقمًا،
بل روحًا اقتُلِعت من مكانها،
ولم تجد مكانًا لتعود إليه.
تُروى
كي لا ينسى العالم
أن هناك امرأة
مشَت في وجه الليل،
وحملت وطنًا كاملًا على كتفيها،
وظلّت واقفة
حين سقطت المدن،
وباقية
حين لم يبقَ أحد.
امرأة
لم تنتصر الحرب عليها،
ولا المنفى،
ولا المسافة.
امرأة
يحمل جسدُها الوطن—
كي لا يضيع الوطن.
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
Rania_Marjieh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟