أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - “سامر… حين اكتشف أن الظلّ ليس قدرًا”














المزيد.....

“سامر… حين اكتشف أن الظلّ ليس قدرًا”


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 18:14
المحور: الادب والفن
    


قصة إنسانية تتقاطع مع جرح الفرد ووجع المجتمع

بقلم رانية مرجية

لم يكن سامر يخطئ حين ظنّ أن الحياة تستطيع أن تُربّي قلبًا،

لكنه لم يكن يعرف أنّ الحياة في مدينته قد تُرهق القلب قبل أن تُربّيه.

فهو واحد من أولئك الذين يُولدون وهم يحملون على أكتافهم أثقالًا لم يختاروها،

وأحلامًا لا يجدون لها مكانًا،

وجروحًا لا يجرؤون على الاعتراف بها.



في الثامنة والعشرين، كان سامر يقف بين الحياة التي يريد،

والحياة التي فُرضت عليه.

ورحيل والده في آب كان الحدّ الفاصل بينهما.

لم يكن موتًا عادياً،

بل كان سقوط عمود من أعمدة البيت…

بيتٍ لا تملك جدرانه قوة أن تبقى واقفة وحدها.



ومنذ ذلك اليوم، كان سامر يمشي وفي داخله سؤال واحد:

كيف يحيا الإنسان دون سند؟

الأم، تلك التي صارت مزيجًا من صبر امرأة وقلق وطن،

كانت ترى ابنها وهو يتقلّب بين احتمالات مُتعبة.

ترى الانحناءة الخفيفة في كتفيه،

وترى تلك النظرة التي تشبه نافذةً تُغلق ببطء.

كانت تعرف أن الحزن لا يقتل،

لكنّ الصمت… قد يفعل.



وكلما حاولت أن تفتح له بابًا نحو مستقبل واضح،

وجدت في وجهه خواءً يشبه خوفًا بلا اسم.

حين دخل سامر السوق السوداء،

لم يدخلها كخيار،

بل كواقعٍ فرض نفسه في مدينة تعاقب الفقراء على فقرهم،

وتُعلّم أبناءها أنّ الوصول يحتاج حيلة أكثر مما يحتاج كفاءة.

كان يرى الشباب من حوله يهربون خارج الحدود،

ويتعلقون بوظائف لا تسع كرامة إنسان،

في حين كان هو يحاول فقط أن يحافظ على البيت الذي تركه أبوه.



فسقط…

ليس لأن السوق السوداء جذبت قلبه،

بل لأنها جذبت خوفه.

وما أخطر أن يُقاد الإنسان بخوفه حين تغيب البدائل.



ومع الوقت، صار سامر يشعر بأن الظلّ الذي دخل إليه لا يخصّ السوق وحدها،

بل يخصّ المجتمع بأكمله؛

المجتمع الذي يطالبه بأن يكون قويًا،

ولا يمنحه شيئًا ليقف عليه.

الانكسار، كما فهمه لاحقًا، لا يأتي بصرخة،

بل بصمت طويل،

يومًا بعد يوم،

ضياعًا بعد ضياع.

يحدث حين يفقد الإنسان ثقته بنفسه،

ثم بثبات الأرض،

ثم بعدالة الطريق.



وفي تلك الليلة الثقيلة،

جلس سامر على الأرض،

يشعر أن صدره صندوق مغلق،

وأن العالم ضاق إلى حدود غرفة لا نافذة فيها.

كان يسمع نبضه كمن يسمع طبلاً بعيدًا يُنذر بشيء غير مفهوم.

لم يبكِ من ضعف،

بل بكى لأنه لم يعد قادرًا على حمل يوم آخر.



وأدرك، فجأة، أن النجاة تحتاج شجاعة أكثر مما تحتاج قوة.

مدّ يده إلى الهاتف واتصل.

كانت الكلمة الأولى عودة كاملة:

“ماما…”



لم يقل شيئًا بعد ذلك،

لكنها فهمت كل شيء.

الأمهات لا ينتظرن التفاصيل،

لأن التفاصيل عندهن ليست سوى علامات على جرحٍ عميق.

قالت له:

“تعال… ما زال في البيت متّسع لوجعك.”



وفي تلك الجملة،

وجد سامر شيئًا لم يجده في الشوارع الضيقة التي تاه فيها:

وجد معنى أن يكون للإنسان مكانٌ يعود إليه،

وأن يكون للضعف بيتٌ يُفهم فيه،

لا يُدان.

عاد سامر،

وبدأ رحلة لم تكن سهلة،

رحلة لا تُروى ببساطة بداية ونهاية،

بل تُروى كمعركة بين الظلّ والنور.

بين الخوف وما تبقى من شجاعة.

بين مجتمع يُذيب الإنسان،

وأمّ تُعيد جمع ما تبعثر منه.



صار يواجه نفسه أولًا،

والمدينة ثانيًا،

والألم الذي راكمه ثالثًا.

وكان يعود ببطء…

لكن الأهم أنه كان يعود.

اليوم،

حين ينظر سامر إلى الخلف،

لا يرى السوق السوداء،

ولا الشوارع التي كادت تبتلعه،

ولا الليالي التي حملت وحدته.

يرى فقط تلك اللحظة التي فهم فيها أن النجاة ليست أن يفلت من الظلّ،

بل أن يعترف به…

ثم يخرج منه.



ويرى أمه،

واقفة هناك،

في آخر الممرّ،

تحمل نورًا صغيرًا في يدها،

وتقول له دون صوت:

“لم تتأخر…

البدايات لا تُقاس بالوقت،

بل بالشجاعة.”

وعندما يسأله أحدهم:

“كيف نهضت؟”

يبتسم،

ثم يقول:



“نهضت لأن الأم—في بلادنا—هي آخر ما يبقى من الوطن…

ومن كان وراءه وطنٌ صغير يُدعى أمّه،

لا يضيع.”



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيمان خطيب ياسين… امرأة صنعت حضورها بالصدق لا بالمنصب
- حين يحمل الجسدُ الوطن ملحمة إنسانية عن الذين هُجِّروا كي لا ...
- إنسان للإنسان إنسانإنسان للإنسان إنسان
- اسمع مني… إذا بدك تكون محبوب عند “شلل” الأحزاب العربية
- مقال: فلسطين… بين مطر غزة ونار الضفة، والعالم يواصل صمته الم ...
- آدم: موسيقى خرجت من قلبٍ كان يظنّه العالم خطراً
- لا تُقارن نفسك بأحد… لأنّ لكلّ روح طريقها
- فلسطينيو الداخل: وجعٌ يحاور العالم
- الخيط الذي لم ينقطع: قصة فتاة أعادت اختراع معنى النجاة
- وطنٌ يعلّم أبناءه الحلم… ثم يجرّدهم من حقّ الحلم
- طولكرم… مدينةٌ تعلّم القلب كيف يقف دون خوف
- مار جريس… الفارس الذي يفضح خوف العالم
- الامتنان… فلسفة حياة ومرآة للروح الإنسانية
- لقاء لا يُنسى مع المناضلة الفلسطينية ليلى خالد
- حين عدتُ من الموت… أدركتُ الحقيقة التي يخشاها الجميع
- رولا غانم.. حين ينهض الوطن من بين سطور امرأة
- قصة: حين ينهض الصمت ويقول اسمه
- الإيزيديون… حين تُضيء الكلمة طريق الإنسان
- رواية الحصاد… حين يُزهر الوطن في قلب الطفولة
- 🎭 مسرح لا يسألهم عمّا نقص… بل عمّا يلمع


المزيد.....




- المخرج طارق صالح - حبّ مصر الذي تحوّل إلى سينما بثمن باهظ
- -إنّما يُجنى الهدى من صُحبة الخِلّ الأمين-.. الصداقة الافترا ...
- مؤسس -هاغينغ فيس-: نحن في فقاعة النماذج اللغوية لا الذكاء ال ...
- مسرحية -عيشة ومش عيشة-: قراءة أنثروبولوجية في اليومي الاجتما ...
- محمد إقبال: الشاعر والمفكر الهندي الذي غنت له أم كلثوم
- مصر: رصد حالات مصابة بالحمى القلاعية بين الماشية.. و-الزراعة ...
- موسم الدرعية يطلق برنامج -هَل القصور- في حيّ الطريف
- المدينة والضوء الداخلي: تأملات في شعر مروان ياسين الدليمي
- مكان لا يشبهنا كثيراً
- لقطات تكشف عن مشاهد القتال في فيلم -خالد بن الوليد- المرتقب ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - “سامر… حين اكتشف أن الظلّ ليس قدرًا”