أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - **قراءة نقدية في كتاب «أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر» لياسمين كنعان














المزيد.....

**قراءة نقدية في كتاب «أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر» لياسمين كنعان


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 19:17
المحور: الادب والفن
    


يقدّم كتاب «أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر» لياسمين كنعان تجربة نثرية مشحونة بحرارة الداخل، وقلق الروح، وتوتر العاطفة التي تقف دائمًا على حافة الانفجار. ليست هذه النصوص مجرّد بوح عابر؛ إنها كتابة تتعامل مع اللغة كجهاز تنفّس، ومع الوجع كمادة أولى لصناعة الفن، ومع الذاكرة كحاضر دائم لا يكفّ عن إعادة صياغة الذات.

تكتب كنعان بوعي يقترب من الاعتراف الوجودي، وبجرأة تكسر المسافة بين القارئ وداخلها. فاللغة عندها لا تحاول أن تكون جميلة، بل صادقة ومكشوفة، تأخذ شكل انكسارها، وترتجف حين ترتجف مشاعرها. تقول في إحدى نصوصها: «قد تبدو مشاعرنا مثل أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر.» هنا تتحوّل العاطفة إلى طاقة خطرة، قابلة للاشتعال، وإلى صورة شعرية تعكس جوهر الكتاب: هشاشة داخلية في عالم لا يرحم.

الغياب… ليس غيابًا بل فلسفة حياة
الغياب داخل هذه المجموعة ليس حدثًا أو صدمة؛ إنه هواء تتنفسه النصوص، وسياق تُبنى عليه جمل الكتاب. فالكاتبة لا تتعامل مع الغياب كفقد، بل كمساحة وجودية لفهم الذات. تقول: «سأختار الغياب.» وكأنها تجعل منه خيارًا واعيًا، موقفًا وجوديًا يعيد ترتيب العلاقة بين الذات والعالم، بين الحب وحدوده، بين الحضور وثقله. الغياب هنا ليس موتًا، بل ظلًّا مرافقًا، وطريقة للنظر إلى ما يحدث في الداخل من مسافة آمنة وشفافة.

الجسد… ساحة معركة لا تهدأ
لا تحضر الجسدانية في نصوص ياسمين بوصفها احتفاءً أو وصفًا، بل كصراع بين ما تريده الروح وما يمنعه التعب. تكتب: «أجرّب جسدي على حافة الاشتهاء… جسدي المغشي عليه.» الجسد هنا ليس أداة لذّة؛ هو كيان مثقل، منهك، يتصدّع بين الرغبة والخيبة. هذا الحضور الجسدي يحمل بُعدًا نفسيًا عميقًا، يجعل الجسد صورة لتصدّع الداخل، لا لسطحه فقط.

فلسطين… وطن يتكلّم من قلب النص لا من شعاراته
تحضر فلسطين في هذا الكتاب بلا ضجيج ولا خطابية. تحضر كجرح، كهمّ داخلي، وكوجود يلازم صاحبه أينما ذهب. تقول: «أبكي حين تبكي نابلس، وأنزف حين تنزف جنين.» هنا يصبح الوطن جسدًا موازيًا، يوجع ويُوجَع، ينهض في النص كنَفَسٍ داخلي لا كقضيّة تُرفع لافتات لها. هذا الحضور الهادئ، الصادق، يجعل الوجدان الفلسطيني امتدادًا طبيعيًا للذات، لا خطابًا موجّهًا للآخر.

الكتابة… آخر خيط نجاة
تكشف نصوص كنعان عن علاقة حميمة بين الكتابة والنجاة، بين الكلمة والبقاء. تقول: «كنت أدق كلماتي مثل أوتاد في الجدران… كي أبقى معلّقة هناك.» هنا تتحوّل الكتابة إلى طريقة للمقاومة النفسية، إلى وسيلة تمنع السقوط الكامل، وإلى خيط رفيع يشدّ الكاتبة نحو الحياة في لحظات الانطفاء. وفي نص آخر تقول: «أحاول ستر عري روحي بالكلمات.» وهذا اعتراف نادر بأن الكتابة ليست ترفًا، بل ضرورة وجودية.

الصورة الشعرية… جمالية تتخطّى الحدود
صور ياسمين لافتة، مكثفة، عميقة، تمتلك القدرة على العبور إلى قارئ عالمي دون أن تفقد جذورها. مثل قولها: «أدوزن أوتاري كي تنتظم التنهيدات.» أو «الروح مرتوية والجسد مرتعش.» هذه الصور تحمل ما يكفي من الطاقة لتعيش خارج اللغة العربية أيضًا، لأنها نابعة من عمق التجربة الإنسانية. وهذا ما يمنح الكتاب طابعًا عالميًا، قابلًا للانتشار خارج الجغرافيا والثقافة التي خرج منها.

خاتمة
«أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر» هو كتابٌ ينتمي إلى الكتابة التي تواجه ذاتها ولا تخشاها، كتابة تتقدّم من داخل الألم لا من حوله. إنه نصّ يوسّع حدود البوح النسوي الفلسطيني، ويخلق مساحة لغوية جديدة قوامها الصدق والعمق والوعي. ما يميّز هذا الكتاب أنه لا يستعير لغة أحد، بل يخلق لغته الخاصة، ويقدّم تجربة نثرية قادرة على لمس القارئ العربي والعالمي في آن واحد.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- “سامر… حين اكتشف أن الظلّ ليس قدرًا”
- إيمان خطيب ياسين… امرأة صنعت حضورها بالصدق لا بالمنصب
- حين يحمل الجسدُ الوطن ملحمة إنسانية عن الذين هُجِّروا كي لا ...
- إنسان للإنسان إنسانإنسان للإنسان إنسان
- اسمع مني… إذا بدك تكون محبوب عند “شلل” الأحزاب العربية
- مقال: فلسطين… بين مطر غزة ونار الضفة، والعالم يواصل صمته الم ...
- آدم: موسيقى خرجت من قلبٍ كان يظنّه العالم خطراً
- لا تُقارن نفسك بأحد… لأنّ لكلّ روح طريقها
- فلسطينيو الداخل: وجعٌ يحاور العالم
- الخيط الذي لم ينقطع: قصة فتاة أعادت اختراع معنى النجاة
- وطنٌ يعلّم أبناءه الحلم… ثم يجرّدهم من حقّ الحلم
- طولكرم… مدينةٌ تعلّم القلب كيف يقف دون خوف
- مار جريس… الفارس الذي يفضح خوف العالم
- الامتنان… فلسفة حياة ومرآة للروح الإنسانية
- لقاء لا يُنسى مع المناضلة الفلسطينية ليلى خالد
- حين عدتُ من الموت… أدركتُ الحقيقة التي يخشاها الجميع
- رولا غانم.. حين ينهض الوطن من بين سطور امرأة
- قصة: حين ينهض الصمت ويقول اسمه
- الإيزيديون… حين تُضيء الكلمة طريق الإنسان
- رواية الحصاد… حين يُزهر الوطن في قلب الطفولة


المزيد.....




- المخرج طارق صالح - حبّ مصر الذي تحوّل إلى سينما بثمن باهظ
- -إنّما يُجنى الهدى من صُحبة الخِلّ الأمين-.. الصداقة الافترا ...
- مؤسس -هاغينغ فيس-: نحن في فقاعة النماذج اللغوية لا الذكاء ال ...
- مسرحية -عيشة ومش عيشة-: قراءة أنثروبولوجية في اليومي الاجتما ...
- محمد إقبال: الشاعر والمفكر الهندي الذي غنت له أم كلثوم
- مصر: رصد حالات مصابة بالحمى القلاعية بين الماشية.. و-الزراعة ...
- موسم الدرعية يطلق برنامج -هَل القصور- في حيّ الطريف
- المدينة والضوء الداخلي: تأملات في شعر مروان ياسين الدليمي
- مكان لا يشبهنا كثيراً
- لقطات تكشف عن مشاهد القتال في فيلم -خالد بن الوليد- المرتقب ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - **قراءة نقدية في كتاب «أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر» لياسمين كنعان